رمضان جريدي العنزي
الصبر على «الغثيث» من أعسر أنواع الصبر أمرها وأصعبها، «الغثيث» يتعب القلب قبل العقل، ويستنزف الصبر والحلم والأناة، إن جادلته بالحجة والمنطق، جادلك بالجهل والغباء، وأن نبهته باللطف، رد بثقل دم لا يطاق، وإن بينت له تغافل، ظله ثقيل، وحديثه باهت، تتلطف معه لا يفهم، تجامله يتمادى، كلامه لا يشبع فضولاً ولا يروي ظمأ، يثير في النفس ضيقاً وكدراً، يتكلم بلا حكمة، وينظر ويتفلسف بلا فعل، «الغثيث» مثل الغبار يجلب للنفس الكدر والتعب، يصيب بالعتمة، ويخرب الرؤية، يتعبك بثقله، ويرهقك ببلادته وقصور فهمه واستيعابه، لديه تناقضات وعجائب، كلامه كثير كالسيل لكنه خاوي المعنى، كأن كلامه حبات مطر تتطاير في مهب الريح، يظن نفسه سيد الحديث، ينثر النصائح والحكايات، لكنه بعيداً عن الصدق والحقيقة، مشتت بين التباهي والتفاهة، يضحك بلا سبب، ويجادل بلا منطق، في المجالس يقاطع الحديث، يبدي رأياً لم يطلب منه، ويروي قصصاً مبالغاً فيها، يحسب نفسه بوصلة الكون، وبيضة الميزان، ومركز الاهتمام، غثاثة قناع يرتديه ليخفي وراءه خواءً داخلياً وهشاشة، والعجيب رغم أنك رغم ضيقك منه، تجد نفسك تبتسم لسذاجته وتناقضاته، معقد لدرجة بائنة، يحاول الإصرار على الظهور والبروز، وأنه سيد المشهد والمجلس والحضور والغياب، هكذا يظن، يتزين بثوب الثقة الزائدة، لكنه غالباً ما يترك وراءه شعوراً بالإخفاق والرسوب، كالذبابة لا تكف عن الطنين، غثاثة وحشريته فضول لاقتحام خصوصيات الآخرين، يسأل عن كل شيء، ويعلق على كل شيء، ويصر على أن رأيه هو الأصوب، حتى وإن لم يطلب منه، له أشكال متعددة، تارة يتطفل، وتارة يسأل عن تفاصيل ليست من شأنه، وتارة عن أمور لا تعنيه، الرجل الغثيث يعلمنا رغم عنه، قيمة الصمت وأهمية احترام حدود الآخرين وخصوصياتهم، وهو تذكير حي بأن الحضور الحقيقي لا يحتاج إلى ضجيج وجلبة وصخب، وأن الحكمة تكمن في الاستماع، لا في الكلام المتواصل، ويبقى درس الصبر على غثاثة الغثيث هو التحدي الأكبر.