نجلاء العتيبي
«تعلَّموا المهنةَ؛ فإنه يُوشِكُ أنْ يحتاجَ أحدُكُمْ إلى مِهنَتِهِ». - عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
هذه الفتاة الوديعة التي وهبها اللهُ نورَ البصيرة، وصفاء الداخل، ليست مُجرَّد حالة فردية، وإنما إحدى ثمار الجهود التي تبذلُها الجمعيات السعودية غير الربحية المتخصِّصة في تأهيل ذوي الاحتياجات.
هناك، لا يُنظَر إلى الإنسان من زاوية النقص، وإنما من موقع القدرة الكامنة، والفرص الممكنة.
في تلك البيئات الرحبة تنشأ علاقة مختلفة بين الإنسان وذاته.
تُستبدل نظرة الشفقة بإيمان حقيقي بأن كلَّ فرد قادرٌ على الإسهام حين يُمنح التوجيه والفرصة.
التأهيل لا يقتصر على تعليم مهارة، بل يمتدُّ ليشمل بناء الثقة، واكتشاف ما خفي من طاقاتٍ، وتحفيز حس المبادرة.
حين خطت تلك الفتاةُ أُولى خطواتها نحو التدريب المهني لم تكن تملك خبرةً، غير أن العزيمة التي سكنت قلبَها وجدت مَن يستنهضها.
أدوات بسيطة، يد ثابتة، ومُعلِّمة تُتقن الصبر، كانت كفيلةً بأن تبدأ المسيرة.
في كل قطعة تنسجها انعكاس لقصة تحوُّل تحكي عن إنسانة بدأت تكتشف نفسها من جديد.
هذه الجمعيات، عبر برامجها النوعية، لم تُقدِّم خدمة تقليدية، وإنما أسَّست لمنظومةٍ تُعلي من شأن الإنسان، وترتقي بفهمه لدوره في الحياة.
حين يتعلَّم أحدُهُمْ مهنةً لا تقتصر الفائدة على دخلٍ مكتسَبٍ، بل تتجاوز ذلك إلى شعورٍ بالجدارة، وإدراك للقدرة على الإنجاز دون اعتماد على أحد.
مع مرور الوقت، لم تعد الفتاة مُجرَّد متدرِّبة صنعت لها مكانًا في مجتمعٍ تعلَّم أن ينظُرَ بإنصافٍ، وتحوَّلت من باحثة عن فرصة إلى مصدر إلهام.
الأيادي التي كانت ترتجفُ باتت تصنع بإتقانٍ، فالنظرات المترقبة أصبحت واثقةً، ولم يعد إنجازها محصورًا في إطارها الشخصي... امتدَّ أثره إلى محيطها، وأسهم في تغيير المفاهيم.
مئات القصص الأخرى تسير بالتوازي في مختلف المناطق، في كل جمعيةٍ شابٌّ أو فتاةٌ يتعلَّم، يُبدع، ويُضيف شيئًا جديدًا إلى خارطة الوعي الجمعي.
التأهيل هنا لا يعني تدريبًا تقنيًّا فحسبُ، وإنما تعزيزًا للقيمة، وتأكيدًا لدور الفرد كعنصر فاعل.
القصة لم تعد عن الحاجة، إنما انطلاقة واثقة بروحٍ واعيةٍ، وعملٍ مستمرٍّ.
فالمجتمع يشهد تحوُّلًا إيجابيًّا متصاعدًا، حيث تتسع الرؤية تجاه ذوي الاحتياجات؛ لتشمل فرص الإبداع والتميز.
أصبح السؤال: «كيف نُمكِّنهم؛ ليُبرزوا قدراتهم ومواهبهم؟» تتطوَّر المفردات، ويتعزَّز الخطاب؛ ليعكس احترامًا وتقديرًا مستحقًّا.
هذه التحوُّلات ما كانت لتحدث لولا الجهود الميدانية المتكاملة.
الجمعيات السعودية غير الربحية لم تتعامل مع الأفراد كأرقامٍ، بل ككائنات حيَّةٍ تحمل قصصًا، وتستحقُّ أن تُعامَل بكرامةٍ لم تُوفِّر بيئة آمنة فحسب، بل زرعت الأمل، وغذَّت الثقة، وساعدت كلَّ مستفيد على الخروج من العزلة إلى ساحات التأثير.
وحين تخرج إحدى هؤلاء المتدرِّبات بمُنتجها الأول؛ فإنها لا تُقدِّم قطعة قماش، بل رسالة صامتة تقول: «أنا هنا. أستطيعُ. وأُتقن». وربما تلك الرسالة، في معناها الصافي أقوى من ألف تصريحٍ. إنها لحظة انتصار داخلي تفتح الباب أمام مستقبلٍ جديدٍ.
العمل حين يُمارَس بإتقانٍ يتحوَّل إلى قوة بناء، والمهنة حين تُكتَسب عن جدارة تفتح آفاقًا واسعة للإبداع والإنجاز.
وحين يُمنح الإنسان فرصة عادلة، ويتلقى دعمًا ممنهَجًا يصبح العطاء فاعلًا، والتغيير حقيقة ملموسة.
ومع كل عمل تتسع الآفاق، وتتجدَّد المعاني، فليس المهم أن يكون الطريق سهلًا، وإنما أن يكون مُتاحًا.
والإنجاز ليس في الوصول فقط، بل في الاستمرار رغم المعوِّقات، وبلوغ المعنى الأعمق: أن تكون نافعًا، حاضرًا، ممتنًّا لقدرتك على العطاء.
ضوء
«شكرًا للجمعيات السعودية التي لم تكتفِ برعاية ذوي الاحتياجات، بل منحتْهم أدواتِ الحياة الكريمة، وآمنت بقدراتهم، ورفعت صوتهم في مجتمعٍ يسمع ويحتضن، ويمنح المكان لمن يستحقُّه بجدارة، كما نشكر جهودهم الملموسة في ميادين الجمعيات غير الربحية، حيث تجسَّدت بصماتُهُمْ في حياة الأفراد والمجتمع على حدٍّ سواءٍ. ولا يفوتُنا الإشادةُ بوزارة الشؤون الاجتماعية، التي لم تألُ جهدًا في دعم مسيرة العمل الخيري بالمملكة، وتسخير كافة الإمكانات المادية والبشرية؛ لتحقيق تطلُّعات حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- وذلك بمتابعة مباشرة من وزير الشؤون الاجتماعية؛ للوصول للأهداف المنشودة بإذن الله.