فضل بن سعد البوعينين
للفنون بأنواعها تأثير مباشر على قطاعي السياحة والترفيه، وانعكاس على الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بهما، وهي من أدوات الجذب السياحي، وتمكين الوجهات السياحية ورفع تنافسيتها أمام الوجهات السياحية الأخرى في المنطقة.
ومنذ إطلاق موسم الرياض، الذي يُعد جزءاً من رؤية المملكة 2030 ، تحولت مدينة الرياض إلى وجهه سياحية وترفيهية رئيسة، وتغذية الطلب المحلي على الأنشطة التجارية والسياحية والترفيهية.
موسم الرياض، أحد أهم المواسم الحاضنة للفنون والإبداع، والأنشطة الترفيهية المتميزة بأنواعها، والتي لم تكن متاحة من قبل، بل أصبح الموسم جسراً تمر من خلاله بعض مكونات الترفيه العالمية لتقدم خدماتها في مدينة الرياض، لإشباع رغبات المواطنين والمقيمين، وبخاصة من لا تمكنه الظروف من السفر.
تَحَوَّل الترفيه إلى صناعة، محفزة للقطاع، ومعززة لمساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وجاذبة للأنشطة الترفيهية العالمية، وساهم في تنشيط الحركة السياحية وتوفير الفعاليات الترفيهية المتنوعة.
قطاع الترفيه، أحد القطاعات المعنية بالتوطين، وتعزيز المحتوى المحلي، الأمر الذي ساهم في خلق قطاع وطني متكامل قادر على إدارة منظومة الترفيه، وتمكينه كصناعة متكاملة ومتداخلة مع أنشطة اقتصادية مهمة. نفخر بشباب وشابات الوطن الذين باتوا يديرون المشهد الترفيهي بكفاءة وجودة عالية.
من اللافت، والمفرح، تمرس المنشآت الصغيرة والمتوسطة واكتسابها خبرات متراكمة جعلتها قادرة على تنفيذ مشروعات في قطاع المعارض والمؤتمرات، وبجودة منافسة للشركات الأجنبية التي كانت مسيطرة على السوق، والتوسع في تقديم خدماتها مستفيدة من الفرص الاستثمارية المتاحة، وحاجة السوق، وارتفاع الطلب على خدماتها. لم يعد التوطين مرتبطاً بالصناعات المحلية، والتقنية، والخدمات، بل اتسع نطاقه ليصل إلى توطين صناعة الترفيه، أحد القطاعات المستهدفة بالتحفيز في رؤية السعودية 2030 ، والفنون والثقافة والاستثمارات المرتبطة بصناعة الترفيه والخدمات اللوجستية التي تعتمد عليها.
ومن التحولات اللافتة التي تؤكد الحضور الثقافي والفني المحلي، توجه الهيئة العامة للترفيه نحو الاعتماد على العازفين السعوديين والخليجيين، والمسرحيات السعودية والخليجية، وهو جانب مهم من عمليات التوطين، والاعتماد على المكون البشري المحلي.
معالي رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه المستشار تركي آل الشيخ، أشار إلى أن موسم الرياض المقبل سيشهد اعتمادًا على العازفين والموسيقيين السعوديين والخليجيين في الحفلات الغنائية، إلى جانب تركيز مماثل على المسرحيات الخليجية والسعودية، مع بعض المشاركة السورية والعالمية.
الاعتماد على العازفين السعوديين والخليجين سيسهم في تمكينهم، وإبراز قدراتهم ومواهبهم، كما أنه سيفتح لهم مصدراً للدخل، كانوا، وما زالوا، الأحق به. فأجمل الأشجار، وأنفعها، تلك التي تظلل أرضها، وتسقط ثمارها على من غرسها، وتَعَهد برعايتها، واستوطن أرضها.
سيسهم التوطين، والاعتماد على المواهب السعودية في خلق بيئة فنية ثقافية تنافسية تسهم في تقديم الكفاءات الوطنية والخليجية وتمكينهم ونقلهم للمشاركات الخارجية، ليشكلوا جسراً لنشر الثقافة والفنون السعودية، وأداة من أدوات القوة الناعمة السعودية. الاستثمار في القوى البشرية الوطنية، في جميع المجالات، هو استثمار في مستقبل الوطن، وبما يسهم في تحقيق أمنه ورفعته وتنافسيته العالمية. فمن الحكمة أن يقتصر صقل الكفاءات وتمكينها، وتسويقها عالمياً، على الكفاءات الوطنية، فهي الأحق، والأضمن لتحقيق الأهداف الإستراتيجية الوطنية.
وبرغم القدرة، والملاءة المالية، وتوافر الكفاءات الفنية، وأدوات البث الفضائية والرقمية للمملكة، إلا أنها حرصت من خلال هيئة الترفيه، على الانفتاح على جميع الدول العربية، وضمان مشاركتهم، وتقديم إنتاجهم الثقافي والفني من خلال موسم الرياض، فتحول الموسم إلى منصة ثقافية فنية جامعة للإنتاج العربي دون تحيز. بل كانت الهيئة أكثر سخاءً في تمويل إنتاج الأعمال الفنية العربية وشرائها، واحتضان المشاركين فيها.
اليوم تشهد الهيئة تحولاً نوعياً تركز فيه على الإنتاج المحلي، وتتبنى العازفين السعوديين والخليجيين ليشكلوا قاعدة العمل، والأداة المثلى لإيصال رسالة الثقافة والفنون السعودية، وإبلاغ العالم بقدرات السعوديين على تحقيق الكفاءة والجودة في صناعة الترفيه.
مرحلة مهمة من مراحل البناء، والتحول، في قطاع الثقافة والفنون، وصناعة المواهب الوطنية وصقلها، وتقديمها في المحافل العالمية، وفق رؤية مؤسسية واضحة، ودعم استثنائي من هيئة الترفيه.
صناعة المواهب، والكفاءات الوطنية، ورعايتها، وتعزيز تنافسيتها، وإعطائها الأولوية في البرامج والمشروعات المحلية، هي قاعدة التنمية البشرية، ومن أهم أدوات التمكين وتوجيه الموارد المالية التي تصب في قنوات المواطنين الأكفاء بدلاً من تسربها للخارج، وهو أمر أرجو أن يتم استنساخه في جميع القطاعات الاقتصادية، وسوق العمل الذي يحتاج إلى قرارات جريئة تمكن الكفاءات، والقوى البشرية السعودية من استرداد فرصهم الوظيفية المفقودة، والقيادية منها، على وجه الخصوص.