الصادق جاد المولى
في حياة القادة لحظات تصنع التاريخ وأخرى تصنع الإنسان؛ وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وإن عرفه الناس ملكًا حازمًا وإداريًا بارعًا ومؤرخًا وراويًا فإن له وجهًا آخر لا تكتبه المراسيم، ولا تبثّه النشرات الرسمية، وهو وجه إنساني يطلّ من خلف الألقاب يمنحها الدفء، ويمنح المملكة بعدها النبيل. فمنذ أن تسلّم أمانة الحكم حمل الملك سلمان ملف الإنسان كما يحمل التاريخ بعين راصدة لا تنسى، ويدٌ معطاءة لا تتلكأ، حتى أصبح اسمه رمزًا للغوث في أوقات الشدّة، ورايةً للرحمة في مواسم المحن، فامتد عطاؤه من غزة إلى كراتشي ومن الخرطوم إلى مقديشو كضوءٍ هادئٍ يتدفق في اللحظة الحرجة، لا يسأل عن العرق أو الدين ولكن يتقدّم بالرحمة الخالصة التي لا تحدها الجغرافيا. وفي عام 2015 عندما تأسس «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، كان المركز امتدادًا لنهجٍ راسخ في مدّ اليد للمحتاجين، حتى أصبح اليوم يمتلك أكثر من 2800 مشروع في 94 دولة تنوعت بين الإغاثة العاجلة، والرعاية الصحية، والتعليم، والمياه، والغذاء، وحماية الطفل، ولعل هذه الأرقام لا تعني كثيرًا حين تُقرأ مجرد إحصاءات، لكنها حين تُترجم إلى قصص ناسٍ نجوا من الجوع، أو أطفالٍ عادوا إلى الدراسة تصبح لغة إنسانية تروي قصة سلمان الإنسان. ففي كل أزمة إنسانية كانت لتوجيهاته السامية الأسبقية، وفي كل نداء استغاثة كان الحضور حاضرًا، والتفاعل سريعًا، والتعاطف منهجًا، وفي ذاكرة العاملين في المجال الإنساني تُروى عنه مواقف لا تُنسى بدءًا من رعايته الشخصية للأيتام، إلى دعمه الدائم للمشاريع التي تحفظ كرامة الإنسان قبل احتياجاته.
رُوي عن أحد كبار موظفي ديوان إمارة الرياض في الثمانينات أنه رأى الملك سلمان -وكان حينها أميرًا عليها- يوقف سيارته فجأة حين لمح رجلًا مسنًا يقف في حرّ الشمس، فترجّل وسأله: «هل تحتاج شيئًا؟»، ثم طلب اصطحابه إلى بيته بنفسه، لم تكن تلك حادثة نادرة وإنما كانت مظهرًا يوميًّا من ملامح شخصية لا يثقلها المنصب عن الالتفات إلى معاناة الناس.
في مجال العطاء لا حاجة للخطابة فالأفعال تتحدث؛ ومواقف الملك سلمان تُقرأ من مراكز الإغاثة في أقاصي الأرض، ومن وجوه المحتاجين الذين عرفوا المملكة من خلال كرمها، وملكها الذي جعل من الإنسانية جزءًا من هويتها، فالملك سلمان إنسان لا يحتاج إلى تعريف، يكفي أن نبضه في المشاريع، وصوته في دعاء اليتيم، وخطاه في خيام اللاجئين، ويكفي أنه حين يكتب التاريخ يُنقذ الحاضر، ويرسم صورة المستقبل بيدٍ تمسك القلم وأخرى تمسح دمعة.