علي حسن حسون
في كل زاوية، وفي كل حي، يظهر مندوب مبيعات اتصالات لشركة معينة يلوح بيده عن أفضل الأسعار، يطرقون الأبواب أسرع من الجيران، كأنهم في سباق ماراثون لجذب الزبائن، يرافقهم وعد بشبكة أسرع من البرق، لكن للأسف، التغطية لا تزال “برا الشبكة”!
في الأيام الأخيرة شهدنا تزايدًا ملحوظًا في نشاط مناديب شركات الاتصالات، الذين يروجون لخدمات الإنترنت الأرضي والمتنقل، ويعرضون العروض للمواطنين بطرق غير منظمة، تفتقر إلى أدنى درجات الاحترافية. ما كان يُفترض أن يكون جهدًا تسويقيًا منظمًا تحكمه ضوابط مهنية، تحوّل إلى ما يشبه (تكتلًا غير منظم) تتحرك فيه مجموعة من الأفراد بتوجيه من مندوب رئيسي، يعملون بأسلوب عشوائي ويفتقرون إلى الرقابة، متنقلين من حي إلى آخر، ومن باب إلى باب، دون إشراف مباشر من الشركات التي يمثلونها.
لقد بات هذا المشهد مألوفًا في شوارع وأحياء الرياض، حيث تنتشر هذه الفرق بشكل لافت، يروجون لعروض الإنترنت دون تصريح رسمي أحيانًا، ويمارسون ضغوطًا مباشرة وغير مهنية على العملاء، بل ويدخل بعضهم في منافسة شرسة وغير أخلاقية مع مناديب شركات أخرى، ما يخلق نوعًا من الفوضى في السوق ويؤثر سلبًا على صورة الشركات التي يمثلونها.
وتزداد خطورة الأمر حين نعلم أن كثيرًا من هؤلاء المناديب يفتقرون إلى المعرفة الكافية بقوانين العقود التجارية في نطاق الاتصالات، ويعرضون خدمات قد لا تكون متوفرة فعليًا في الحي المستهدف، مما يوقع العملاء في فخ العروض الوهمية، ويؤدي إلى شكاوى متكررة من سوء الخدمة أو عدم توفر التغطية الكافية.
وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل التقصير الواضح من قبل شركات الاتصالات الكبرى في توفير البنية التحتية المناسبة، وعلى رأسها أبراج الشبكة، حيث ما زالت هناك أحياء كاملة في الرياض تعاني من ضعف التغطية أو انعدامها، رغم النمو السكاني والعمراني الهائل الذي تشهده المدينة. هذا النقص في التغطية يدفع الشركات إلى محاولة تعويضه من خلال الضغط التسويقي العشوائي، دون معالجة السبب الجذري للمشكلة.
إن ما نراه اليوم لم يعد مجرد مسألة تسويق خدمات إنترنت، بل أصبح يمثل فوضى حقيقية تؤثر على خصوصية الأفراد، وتشكل ضغطًا على السكان، دون تحقيق نتائج ملموسة على مستوى جودة الخدمة ومن هنا، يصبح من الضروري أن تتدخل الجهات التنظيمية لضبط هذا القطاع، وفرض معايير صارمة على آلية عمل مناديب الشركات.
كذلك، على شركات الاتصالات أن تتحمل مسؤولياتها تجاه المجتمع، لا عبر التسويق الميداني وحده، بل من خلال تطوير البنية التحتية لشبكاتها، والتوسع في إنشاء أبراج الاتصالات في جميع الأحياء، وليس فقط في المناطق الحيوية والتجارية، فالوصول إلى الإنترنت اليوم لم يعد ترفًا، بل ضرورة حياتية يجب أن تكون متاحة للجميع بجودة واستقرار.
في الختام، رغم أهمية التنافس بين شركات الاتصالات، إلا أن تصرفات بعض المناديب الحالية تهدد سمعة هذه الشركات وتضعف ثقة العملاء فيها. لذلك، فلا يعقل أن تبقى خدمات الإنترنت مجرد وعود تسويقية، بينما العميل لا يزال يعيش «برا الشبكة».
لا بدّ من إصلاح داخلي في طريقة العمل، وتعاون فعّال بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، لوضع قوانين تنظّم السوق وتحمي حقوق المستهلكين، وتدعم تطوير البنية التحتية الرقمية التي تشكّل أساس التحول الوطني إلى مجتمع رقمي متكامل. فالأمر لا يقبل التأجيل.