أحمد بني قيس
مع تسارع التحولات التي تشهدها المملكة العربية السعودية في مختلف المجالات بات من الواضح أن هذا النجاح الباهر لا يُرحّب به في كل مكان، فبينما يحتفي به الشعب السعودي ويدعمه الحلفاء والأصدقاء ويلاحظه المتابعون المنصفون إلا أن هناك من يتألم لذلك ويعبّر عن ألمه بأشكال مختلفة منها الصريح الواهن ومنها من ظاهره النصح والنقد وباطنه البغض والحسد.
نجاح المملكة خاصة في ظل رؤية 2030 ليس مجرد نمو اقتصادي أو تنوع في مصادر الدخل بل هو إعادة صياغة لدور الدولة في محيطها العربي والإسلامي وإثبات لقدرتها على صناعة نموذج تنموي متوازن يجمع بين الأصالة والمعاصرة، دون أن يُذيب خصوصيته في قوالب خارجية مستوردة.
ولا تُخفي بعض النخب الغربية ارتباكها من نجاح المملكة لأنها تحقق تقدماً كبيراً دون أن تتبنّى نموذجهم الغربي بحذافيره، وهنا يُطرح تساؤل مهم: هل يمكن لدولة عربية إسلامية بسيادتها الكاملة وبخصوصية ثقافية راسخة وبنموذج حكم مختلف أن تنجح في تحقيق تطلعاتها وأهدافها؟.
هذا التساؤل يُقلق من يظن ألا طريق للنهضة إلا عبر نسخ «النموذج الجاهز» وفي مخالفة لهذه المقاربة قنوط يتضاعف كلما تقدّمت المملكة خطوة للأمام بثقتها وهويتها الخاصة. ومما يُربك الخصوم الإقليميين أن نجاح المملكة يُعيد رسم خارطة التأثير في المنطقة، فوجد الكثير من الدول والأطراف نفسها اليوم أمام قوة سعودية إقليمية مبادرة تقود المشهد وتضع أجندتها الخاصة، وهذا التحول يُخلخل مشاريع التوسع ويُضعف خطاب المحاور الأخرى التي اعتادت على ملء الفراغ السعودي السابق. ومن اللافت للنظر أن الخطاب الإعلامي الخارجي الذي اعتاد على تقديم المملكة بصورة تقليدية يجد نفسه اليوم أمام واقع لا يمكن تجاهله: مدن ذكية تُبنى.. اقتصاد يُعاد هيكلته.. مجتمع يتغير بإرادة داخلية.. انفتاح مدروس يخدم الأهداف الوطنية دون المساس بالثوابت.. ولأجل هذا كُلّه نجد أن بعض وسائل الإعلام تسعى لتشويه هذه الصورة السعودية الجديدة لا لخلل فيها بل لأنها تهدم سرديات قديمة بُنيت على حقائق مجحفة تطّلب تغييرها بالأفعال الملموسة وليس بالخطابات الرنّانة التي أثبتت فشلها. ورغم أن هناك من يجد صعوبة في التكيّف مع التغيير خصوصاً من فقد مكانته السابقة أو تأثيره التقليدي غير أن عجلة الإصلاح لم ولا تتوقف والتقييم اليوم لا يقوم على الشعارات أو المزايدات بل على الكفاءة والقدرة على العطاء الحقيقي.
ختاماً إن المملكة العربية السعودية اليوم لا تنتظر الإذن من أحد كي تنجح ولا تتراجع لتُرضي من تألم من نهوضها ونجاحها حيث نراها تُلهم أبناءها وتُربك أعداءها وتبني مستقبلها برؤية سعودية خالصة، وكلما ارتفع صوت الألم الخارجي ممّا يجري في بلاد الحرمين كلما ارتفعت قيمة هذا النجاح داخلياً وخارجياً.