د.محمد بن عبدالرحمن البشر
هناك الكثير من الكتب التي تحدثت أو تخصصت في الحديث عن المثالب، وهو ميدان ليس مستحسنا من الناحية الأخلاقية، لكن هناك من يقول إن الحديث عن المناقب لا بد له من مرآة تعكس النقيض وهو المثالب، وقد يكون بعضا من الناس يحبون أن يسمعوا الكثير من المثالب، ويجدون فيها متعة حمانا الله وإياك، ويتلذذون بما يقال في الناس، وما يكتب عن معايبهم، وربما أن معظم ما يكتب من مثالب إما مختلقة أو مبالغ فيها لأسباب شخصية، أو قبلية، أو سياسية، أو تنافسية، أو غير ذلك من الأسباب الكثيرة التي قد تثير ذلك الكره الذي يستخدمه صاحب القلم لشفاء ما في نفسه، وقد يكون ظلما وبهتانا وبغيا لا يعود بالخير على قائله في الدنيا والآخرة، قال الشاعر:
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا
وإن هموا سمعوا خيرا بنا سكتوا
ومن أوائل من كتب عن المثالب زياد بن أبيه، وهو معروف لا يحتاج إلى تعريف، والمدائني وأذكر أنني قد قرأت له كتاب عن المولدات من قريش وفيه أمر مشين، وكذلك الواقدي، وكاتبه ابن سعد صاحب كتاب الطبقات، والهيثم بن عدي، وهذا الرجل لا يرى أصحاب الحديث صحة رواياته، وهشام بن محمد بن السائب بن بشر الكلبي، له كتاب المثالب، تحدث فيها عن بعض المشهورين من بيوتات العرب، وهو عالم يشهد له بالعلم الواسع، ويوثقه بعض أصحاب الحديث، بينما يضعفه آخرون، لكنهم يجمعون على حجته في النسب. والحقيقة أن جل من كتب عن الأنساب كان عالة عليه، حتى إن ابن حزم الظاهري الأندلسي العالم المشهور صاحب المحلى وطوق الحمامة، ألف كتابه جمهرة الأنساب نقلا حرفيا من هشام الكلبي مع شيء من التحريف اليسير، ونقل عنه الطبري، وغيره من المؤرخين والمفسرين، وكتاب هشام عن المثالب فيه الكثير مما يشم فيه رائحة التحامل.
الزبير بن بكار كتب كتابا اسمه الموفقات والأخبار، أو نحو ذلك، وعبدالله بن الزبير جده الأعلى، وابن بكار هذا، كان عالما وأديبا وإخباريا ثقة عند أصحاب الحديث، استدعاه من المدينة الخليفة العباسي المتوكل لتدريس ابنه، وعندما وصل إلى بغداد وأميرها محمد بن عبدالله بن طاهر، قال له تفرقنا الأنساب وتجمعنا الآداب، وقال له إن أمير المؤمنين، يقصد المتوكل، أمر لك بعشرة آلاف درهم وعشرة ثياب وعشر بغال تركبها إليه في سامراء لتدرس ابنه الموفق، ولهذا سمى كتابه الموفقات نسبة إليه، وفيه الكثير من المثالب، وكل هؤلاء ولدوا في القرنين الأول والثاني، وهم علماء أفذاذ راوين للحديث. كما كتب ابن حيان التوحيدي كتاب مثالب الوزيرين يقصد ابن العميد والصاحب بن عباد وهما أشهر علماء ووزراء الدولة البويهية. وغيرهم مئات ممن كتب في هذا الموضوع. والشعراء كانوا من أبرز المساهمين في هذا الفن مثل الحطيئة، وجرير، والفرزدق، والأخطل، وبشار بن برد، وأبو زيد، وحماد، والمتنبي، وكان الحكام والوجهاء ينفقون عليهم الأموال خشية ألسنتهم، وهي في الأغلب لا تنطق بحق.
اليوم يطلق شخص تغريدة، وهو مستلق على سريره، وربما لا يكون في عقله، فتنتشر مثل النار في الهشيم، وقد يكون ما قاله افتراء فيقرأها الملايين في كل أنحاء العالم، وربما يبهرها بشيء من صنع الذكاء الاصطناعي. لهذا لم يعد مقبولا كل ما يطرح في وسائل التواصل الاجتماعي إذا لم يكن من المصدر الرسمي بالنسبة للأمور الرسمية، وعدم تصديق التغريدة وإعادة نشرها للأمور الشخصية.