د.عبدالعزيز الجار الله
أعلنت هيئة التراث بوزارة الثقافة في 10 أغسطس 2025 عن أعمال المسح والتنقيب اكتشاف منشآت دائرية تشبه إلى حدٍ كبير مقابر الألف الثالث والثاني قبل الميلاد، إضافة إلى رصد طريقٍ أثريّ يمتد من الوادي إلى أعلى الهضبة في موقع القرينة وصولًا إلى مدينة الرياض، فضلًا عن اكتشاف العديد من القطع الفخّارية والأدوات الحجرية، التي يعود بعضها إلى ما قبل 50 ألف سنة في فترة العصر الحجري الوسيط. وكان قد كشف في الثمانيات الميلادية عن مواقع أثرية على حافات العرمة في الثمامة شرقي الرياض، وهي مقابلة وموازية لحافات جبال طويق التي تقع عليها الاكتشافات الأخيرة في القرينة. وتنتشر أعالي جبال وهضاب المملكة منشآت حجرية ومستوطنات على المرتفعات الغربية من جنوب جازان إلى شمال حقل في تبوك، وحافات جبال طويق من شمال نجران وحتى شمال القصيم وحائل، وفي الجبال المنفصلة في أطراف الدرع العربي قوس الجبال من شمال تبوك إلى جنوب منطقة الرياض، وهي بالواقع بيئات استيطانية يعود بعضها لتاريخ القرينة إلى ما قبل 50 ألف سنة في فترة العصر الحجري الوسيط . اكتشاف القرينة سوف يساعد الباحثين على تأريخ المواقع الأخرى في منطقة الرياض وأيضاً على جغرافية مرتفعات وهضاب نجد.
وذكرت هيئة التراث: (أنها قد أنهت أعمال مشروع المسح والتنقيب الأثري في أحد المواقع الأثرية ببلدة القرينة شمال غرب مدينة الرياض، بمشاركة مجموعة من الخبراء السعوديين، في إطار جهودها في المسح والتنقيب الأثري لمواقع التراث الوطني وصونها والحفاظ عليها والتعريف بها، والاستفادة من تلك المحفظة التراثية الوطنية بوصفها موردًا ثقافيًا واقتصاديًا مهمًا للمملكة).
يتميز اكتشاف هيئة التراث - موقع القرينة - أنه يأتي بعد سلسلة من المشروعات التي نفذتها الهيئة خلال السنوات العشر الماضية بواسطة فرق محلية وأجنبية كان التركيز على المسوحات الميدانية دون أعمال الحفائر والتنقيب إلا القليل من حفريات إنقاذية، ما نحتاجه في هذه الفترة التي تداخلت أعمال الآثار والتراث والأنماط التقليدية تداخلت مع السياحة والاستثمار، والحاجة إلى اكتشافات الحفائر لجذب الباحثين والزوار، وتغذية المتاحف الجديدة والنوعية، حيث يتطلب البدء بمشروع موسع للحفائر والتنقيب بباطن الأرض والآثار الغارقة قرب السواحل البحرية قبل أن تخفي بعضها مشروعات التنمية، كما حدث في التنمية الأولى 1975 - 1985م، والتنمية الثانية 2006 - 2014م.
لا نستطيع كتابة تاريخ بلادنا عبر الحفائر في الكتب، وما ذكره العديد من البلدانيين والرحالة من المسلمين والأجانب الذين زاروا المنطقة وتركزت في بعضها على مشاهدات دروب الحج والمحطات القديمة التي تحولت إلى مدن.
كذلك قالت هيئة التراث: سعى المشروع إلى جمع أكبر قدر من المعلومات لتعزيز الدراسات العلمية عن موقع القرينة، وذلك للتعرف على التسلسل الحضاري والتاريخي للموقع، فضلًا عن التعرف على الطرز المعمارية وطرق البناء، وتوثيق المعثورات الأثرية الناتجة من أعمال المشروع. ويعدّ هذا الاكتشاف أحد ثمار مبادرة «اليمامة» التي أطلقتها هيئة التراث بهدف إعادة رسم الخريطة الأثرية لمنطقة الرياض والمناطق المجاورة، عبر تنفيذ مسوحات دقيقة باستخدام تقنيات بحثية متقدمة، لتوثيق المواقع غير المستكشفة سابقًا وتحليل أنماط الاستيطان البشري عبر العصور المختلفة، مما يعكس عمق الإرث الثقافي والحضاري للمنطقة.
وأشارت هيئة التراث إلى أن أعمالها في مجال المسح والتنقيب الأثري في مناطق المملكة تعد استمرارًا لسعيها في حفظ المقدرات التراثية الوطنية، موضحة أن ما تحمله المملكة من تراثٍ ثقافيّ هو امتداد للحضارات المتعاقبة التي استوطنت على أراضيها عبر العصور المختلفة، وهذا يعكس ثراء المملكة بالموارد التراثية والثقافية والتاريخية.