د. جاسر الحربش
قبل أيام ظهر رئيس وزراء العدو بينيامين نتنياهو فيما يشبه وصية الوداع لقومه، ليوصيهم باستيعاب المشروع الصهيوني التوراتي الذي نذر نفسه له وقبل ذلك والده وأخوه، وكل المخلصين للفكر الصهيوني الواسع الكبير.
التوقيت شديد الأهمية لاستيعاب وصية نتنياهو وما أراد أن يقول لقومه: «أعداؤنا العرب في أضعف حالات التضامن منذ هاجمناهم في ديارهم.. الجيش الإسرائيلي حالياً في قمة نشاطه ونجاحاته العسكرية.. العالم بدأ يشكك في تظلماتنا القديمة ويعيد النظر في أهدافنا.. هذه هي فرصتكم الأخيرة يا بني إسرائيل لتحقيق الحلم التوراتي الكبير».
البعض القليل أو الكثير من العرب اعتقد أن نتنياهو كان يدلس (يبلف) على الداخل الإسرائيلي في مسرحية دعائية للانتخابات القادمة وفي مناورة سياسية لإنقاذ نفسه من تبعات محاكمته على اختراقات لا يسمح بها القانون الخاص بهم كشعب يرى نفسه أن الله اختاره لحكم العالم.
نتنياهو ليس في حاجة إلى أن يدلس أو يبلف على قومه، فهو الذي استطاع بائتلافه الحكومي العتيد المتكرر تجميد المحكمة العليا وإبعاد القضاة المعارضين له من مناصبهم.
إحصائياً حسب تصريحات يهود شرفاء مثل نورمان فنكلستاين وإيلون بابيه وجدعون ليفي يتمتع نتنياهو وحكومته بتأييد ثمانية وسبعين إلى اثنان وثمانين من مائة من الشعب الإسرائيلي حول ما ارتكبه جيشه في غزة والضفة وسوريا ولبنان وينوي عمله في المستقبل لتحقيق إسرائيل الكبرى.
الملامة الوحيدة عند قومه ضده هي إخفاقه حتى الآن في تحرير الأسرى والقضاء النهائي على حماس، فيما عدا ذلك يتمتع نتنياهو بالتقدير لدرجة التقديس كصهيوني مخلص للمشروع الذي يحلم به كل يهودي رضع التعاليم الصهيونية في البيت والمدرسة والكنيس وهم الغالبية الكبرى من يهود العالم.
المهم لنا كعرب من وصية نتنياهو لقومه هو ليس ما يعتقده المتساهلون أو المخذلون والمخدرون في مجتمعاتنا العربية، المهم هو فهم أبعاد التطبيق الفعلي لما يجري في غزة والضفة الغربية وسوريا ولبنان، واستنتاج المعاني من وصية نتنياهو لقومه حول اقتراب تحقيق الحلم التوراتي من الفرات إلى النيل، بما يشمل نصف مصر و90 % من سوريا وكامل الأردن ولبنان والكويت، ونصف العراق وجنوب تركيا ونصف المملكة العربية السعودية.
لأنه أمام الفعل تسقط مرجعية القوم أنقل لكم استنتاجات الجراح البريطاني الاستشاري في مستشفى جامعة أوكسفورد نيكولاس ماينارد، كشاهد عيان ذهب إلى غزة بهدف الإسهام في مساعدة الضحايا ميدانياً في بقايا مستشفيات غزة، وأخذ معه بعض مستحضرات أغذية الرضع والأطفال (Baby formula)، يقول الاستشاري ماينارد: صادر الإسرائيليون كل ما أخذته معي من أغذية أطفال وحفاظات وأدوية بالكامل، كجراح شاهدت ميدانياً ما لا يصدقه عقل ولا قلب إنسان. كان الجنود الإسرائيليون يتسلون بتخصيص أيام محددة لقناصيهم لإصابة أعضاء محددة في الضحايا الفلسطينيين. كان يصل إلى غرف العمليات الميدانية في يوم بعينه إصابات طلقات قنص فقط في الرأس، وفي اليوم التالي تكون كل الإصابات في الصدر وفي اليوم الثالث تكون كلها في الأعضاء التناسلية. كان الجنود الإسرائيليون يتسلون بأداء مهمات مدروسة، يومين للقتل ويوم لقطع النسل. نعم كانت رسالة القناص الإسرائيلي كما فهمتها إلى الفلسطينيين واضحة في هدف رصاصته وأين يضعها وفي أي يوم. (انتهى الاقتباس)
تواترت أقوال الشهود المحايدة على أن الجنود الصهاينة كانوا يتسلون بالمراهنات على إصابة الأطفال الفلسطينيين في مناطق محددة من أجسادهم ثم يقهقهون ويتبادلون المصافحات بتصافق الكفوف.
لا تقطعن ذنب الأفعى وترسلها، إن كنت شهماً فأتبع رأسها الذنبا. ماذا كان الشاعر العبدي ليقول اليوم لو وجد بعض قومه ليسوا فقط لم يقطعوا ذنب الأفعى بل لامسوها ولاطفوها وفتحوا لها بلدانهم لتبيض وتفقس وتملأ دورهم أفاعي صغيرة عند التقلب في أنيابها العطب.
وفي الختام الويل لسكان هذه المنطقة العربية المنكوبة بخصومات أهلها إن هم لم يأخذوا نتنياهو وجيشه وشعبه على محمل الجد قياساً على أفعالهم. انتظر العرب حتى تحولت تلك الحية الصغرى وأصبحت كوبرا تتمايل وتفح وتتراقص ثم تلدغ وتقتل.