محمد العويفير
منذ الإعلان عن فوز قناة «ثمانية» بحقوق نقل الكرة السعودية، بدأ الحديث يتصاعد حول ما يمكن أن تقدمه هذه التجربة الجديدة لمشهد الإعلام الرياضي. الحدث ليس مجرد انتقال للحقوق من طرف إلى آخر، بل هو إشارة واضحة إلى أن هناك رؤية مختلفة تتشكل، ورغبة في تقديم كرة القدم السعودية بأسلوب جديد بعيد عن الأنماط التقليدية التي اعتدنا عليها لعقود، نجاح هذه الخطوة لن يكون في مجرد امتلاك الحقوق، بل في كيفية إدارتها وصياغة المنتج النهائي الذي يصل إلى المشاهد، فالتجارب السابقة مليئة بالدروس التي يجب أن تُستوعب جيدًا، هناك محاولات ماضية لم تستطع أن تحافظ على وعودها أو أن تقدم هوية مميزة، فكانت النتيجة أن فقدت ثقة الجمهور سريعًا، واليوم إذا أرادت «ثمانية» أن تنجح فعليها أن تتجنب تلك الأخطاء، وألا تكتفي بتكرار ما جُرِّب وفشل، بل أن تبتكر وتغامر وأن تتعامل مع كرة القدم باعتبارها أكثر من مجرد مباريات تُبث على الهواء، بل ظاهرة ثقافية واجتماعية ورياضية.
ما يمنحنا بعض الاطمئنان أن «ثمانية» ليست جديدة على فكرة العمل الإعلامي الممنهج، فمنذ ست سنوات وهي ترسّخ أسلوبًا خاصًا في تقديم المحتوى، قائم على الجودة العالية والبحث العميق والجرأة في الطرح، مع لمسة إبداعية تجعل أعمالها مميزة عن غيرها، هذه العقلية التي حافظت عليها القناة رغم تغير الظروف تمثل قاعدة صلبة يمكن البناء عليها في مشروع تغطية الكرة السعودية، فهي عقلية لا تبحث عن النجاح اللحظي بل عن الاستقرار الطويل المدى، وعن بناء ثقة متينة مع الجمهور، التوقعات من «ثمانية» كبيرة، نحن نريد أن نرى هوية بصرية وصوتية فريدة تجعل المشاهد يعرف أن ما يراه من إنتاجها دون الحاجة إلى قراءة الشعار، نريد تغطية تتعمق في التحليل وتستند إلى الأرقام والحقائق لا إلى الانفعالات أو الانحيازات، نريد أن تمتد التغطية من دوري المحترفين إلى الدوريات السنية، ومن النجوم المعروفين إلى المواهب التي لم تكتشف بعد، والأهم أن يكون للمحتوى الرقمي نصيب وافر، سواء عبر ملخصات مبتكرة أو برامج تحليلية سريعة أو بث تفاعلي يجعل المشجع جزءًا من الحدث، لكن كل هذه الأمنيات تحتاج إلى إدارة واعية وتخطيط دقيق، على «ثمانية» أن تضع المشاهد في قلب التجربة، أن تستمع له وتفهم ما يبحث عنه، وأن تستثمر في الكوادر المحلية التي تعرف نبض الشارع الكروي السعودي، عليها أيضًا أن تستفيد من أحدث التقنيات من التحليل بالذكاء الاصطناعي إلى الكاميرات المتطورة، لتقدم للمشاهد تجربة مشاهدة لا تُنسى.
وفي النهاية الكرة السعودية اليوم تقف أمام فرصة لتقديم نفسها بصورة جديدة أمام جماهيرها في الداخل والخارج، و«ثمانية» أمام امتحان لإثبات أن الإعلام الرياضي يمكن أن يكون ممتعًا وهادفًا في الوقت نفسه، إذا نجحت في الجمع بين خبرتها السابقة وشغفها بالتجديد، فربما نكون على أعتاب بداية حقبة جديدة تُروى فيها حكاية الكرة السعودية بطريقة لم نشهدها من قبل.
رسالتي
في يد «ثمانية» اليوم كرة لا تُلعب في الملعب، بل في وعي الجمهور وذاكرته، فإما أن تصنع بها إرثًا يُروى لسنوات، أو أن تكرر أخطاء من سبقوها وتفقد لحظة كانت تستحق الخلود.
** **
- محلل فني