عبدالله صالح المحمود
منذ سنوات قليلة فقط، كانت قيادة المرأة السعودية للسيارة قضية تُناقش في المجالس والبرامج وكأنها جريمة محتملة. كانت المرأة في نظر البعض تحتاج إلى إذن حتى تخرج من ظل الجدار. لكن الدولة قلبت الصفحة. قررت، ونفذت، ومضت. دخلت المرأة سوق العمل، أصبحت سفيرة، محامية، رائدة فضاء، وأصبحت صاحبة قرار في سفرها وقراراتها. التغيير لم يكن خجولاً، بل واضحًا وصريحًا، لا يحتمل تأويلاً ولا يحتمل تأخيرًا. لكن السؤال الحقيقي لا يخص المرأة، بل يخصنا نحن: هل تغيّرنا كما تغيّرت؟
نحن نحب أن نصفق للقرارات من بعيد، نردد كلمات الدعم على منصة «إكس» تويتر سابقاً، ثم نعود لنمارس رقابتنا القديمة، ونُخضع المرأة لاختبارات المجتمع السخيفة! أصبح كثير منّا يعيش حالة تناقض: يشجع تمكين المرأة في الإعلام، لكنه يرفضه في بيته. يريد زوجته أن تكون «موديلًا للتقاليد»، ويريد ابنته أن تحقق كل أحلامها بشرط ألا تزعجه نظرات الآخرين.
المجتمع لم يعارض التغيير بشكل مباشر، لكنه قاومه بهدوء، بصيغة «نحن مع التمكين... لكن». هذه الـ «لكن» الصغيرة هي الفخ الحقيقي. هي ما نحاكم به المرأة على كل تصرف لا يشبه ما اعتدنا عليه. نتحدث عن دعمنا لها، ثم نرتبك إن أصبحت مديرة، أو صاحبة أعمال. المرأة لم تعُد كما كانت، وهذا طبيعي. المشكلة أن كثيرًا منّا لم يُدرك بعد أن الزمن تغيّر، وأن ما كان يُقال همسًا صار يُقال رسميًا، وبقوة النظام.
المرأة السعودية اليوم لا تنتظر إذنًا من أحد لتبدأ، لكنها ما زالت تُجبر أحيانًا على الدفاع عن اختياراتها، وكأنها ترتكب فعلاً غير مألوف. المشكلة لم تعد في القوانين، بل في العقول. لم تعد في النصوص، بل في النفوس. هناك من يرى في تمكين المرأة تهديدًا لسلطته، وكأن احترامها يعني تقليص نفوذه. هؤلاء لا يزعجهم تمكين المرأة بقدر ما يزعجهم سقوط الصورة القديمة التي كانت تريحهم.
دعونا نكون صريحين. التغيير الذي حدث في ملف المرأة هو منجز وطني لا يقل عن أي مشروع اقتصادي أو سياسي. لكن مفاهيم المجتمع لن تتغيّر بقرارات، بل تحتاج إلى مراجعة صادقة لما تربينا عليه. نحن لسنا ضد المرأة، نحن فقط خائفون من أن تُصبح مثلنا: مستقلة، مسؤولة، وصاحبة صوت. ولهذا نحاول أن نجرّها دائمًا إلى الخلف، إما بحجة الدين أو العادات، رغم أن الدين والعادات الأصيلة لا تمنع حرية المرأة في التعليم أو العمل أو التطور.
المجتمع الذي لا يتكيّف مع التغيير، ينهار أمامه. والمرأة السعودية اليوم ليست ضيفة على هذا الزمن، بل هي من صناعته. وإذا كنا نعتقد أننا نحميها برفضنا لاختياراتها، فنحن لا نحمي سوى صورتنا القديمة التي لم تعد تناسب هذا العصر.
المرأة تغيّرت… فمتى نلحق بها؟