محمد عبدالله القميشي
في زحمة الحياة وتشابك تفاصيلها تبقى راحة البال هي الأمنية الأصدق لكل إنسان. لا أحد يبحث عن الصخب أو يهوى القلق بل كلنا نحتاج تلك اللحظة التي نضع فيها رؤوسنا مطمئنين، دون خوف أو حزن أو صراع داخلي.
راحة البال ليست حالة ترتبط بزوال الظروف الصعبة أو غياباً للهموم، بل هي استقرار داخلي يعيشه الإنسان حين يهدأ صخبه، وتصفو رؤيته تجاه نفسه والعالم من حوله.
هي نعمة لا تُشترى، ولا تُقاس بمال أو منصب أو سفر. من ذاقها عرف قيمتها، ومن فقدها أدرك أنها أثمن بكثير مما يُطلق عليه الناس اسم «النجاح».
القلق كثرة التفكير، المقارنات الركض خلف حياة غيرنا كلها أسباب تُطفئ السكينة وتُعكر القلب. ومن الخطأ أن نربط سعادتنا بشيء خارجي؛ شخص، أو وظيفة، أو ظروف مثالية. راحة البال تبدأ من الداخل، من قبول الذات كما هي، من التصالح مع الحياة بما فيها، ومن الإيمان بأن ما كتبه الله هو الخير ولو لم نفهمه الآن.
من أسرار راحة البال أن تعرف حدودك. ألا تُجهد نفسك في محاولات إثبات لا تنتهي، ولا تُضنيها بالركض خلف من لا يرى قيمتك. أن تتوقف عن جلد ذاتك، وتسامح من أساء إليك، وتعتذر إذا أخطأت. هذه الخطوات البسيطة في ظاهرها، تصنع فارقًا كبيرًا في عمق النفس، وتحررها من أثقال كثيرة لا ننتبه لها. الإنسان الذي يملأ قلبه بالمحبة، ويجعل لسانه رطبًا بالذكر، ويعفو، ويُحسن الظن، يعيش براحة لا يعرفها كثيرون. وإن كان للقرآن الكريم سر في شيء، فهو في طمأنينته التي تنسكب على القلب كلما اقترب منه صاحبه. قال الله عز وجل: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (28) سورة الرعد.
وقال أيضًا: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ} (4) سورة الفتح.
التسليم لله، والرضا بالقضاء، والثقة بأن ما ذهب لم يكن لنا، وما كتب سيأتينا، كلها مفاتيح لطمأنينة لا تزول. راحة البال لا تعني أن الحياة خالية من الهم، بل إنك قادر على تجاوزها بقلب هادئ ونفس ثابتة. في زمن تُرهقنا فيه الأخبار وتُتعبنا المقارنات وتستنزفنا المتطلبات، نحتاج أن نُعيد ترتيب أولوياتنا: أن نُخفف التوقعات، أن نُعامل أنفسنا بلطف وأن نعود إلى الله، ونوقن أن الراحة لا تأتي من الخارج.. بل من الداخل.