د. رانيا القرعاوي
توضح الدراسات الإعلامية والإدارية أن إدارة السمعة لم تعد ترفًا تنظيميًا، بل أصل استراتيجي ينعكس على ولاء العملاء، وتدفقات الاستثمار، وترتيب الدول في مؤشرات التنافسية العالمية.
وتشير دراسة المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن السمعة تمثل أكثر من 25 في المائة من القيمة السوقية للشركات، وقد تصل إلى 63 في المائة بحسب تقديرات 2000 مدير تنفيذي، وهو ما يؤكد أن السمعة ليست صورة إعلامية فقط، بل أحد أعمدة القيمة الاقتصادية.
فالمؤسسات التي تحسن إدارة سمعتها تحقق أداء ماليًا أقوى ومكانة أكثر رسوخًا، بينما إهمالها يفضي إلى تراجع الثقة، وتغطيات سلبية، وانخفاض في الأداء.
في الأسابيع الماضية، أثيرت قضيتان في قطاعين مهمين تكشفان أثر الصمت على السمعة. الأولى في التعليم، حيث أثار قرار استبعاد عدد من المعلمين جدلًا واسعًا، زاده صمت وزارة التعليم وعدم تقديم رواية واضحة تشرح خلفيات القرار وتضعه في الإطار المناسب. والثانية في الاقتصاد، حين أظهرت تقارير دولية أن السوق المالية السعودية من بين الأسوأ أداءً في الأسهم هذا العام، وهو ما أثار قلق المستثمرين وأثر على السمعة الاستثمارية للمملكة. في الحالتين، كان الصمت مكلفًا على مستوى الثقة والمكانة الاقتصادية.
ويؤكد تقرير صادر عن «يونيكوم» للاستشارات حول الإطار الاستراتيجي لإدارة مخاطر السمعة في القطاعات الحكومية السعودية أن السمعة ترتبط بمؤشرات كمية مثل تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، وصافي التغطية الإعلامية الإيجابية، وتحسن التصنيفات الدولية. أما الدول التي تهمل إدارة السمعة فتدفع ثمنًا مباشرًا يتمثل في ارتفاع كلفة الاقتراض والتأمين ضد المخاطر السيادية.
السمعة تُبنى على خمسة مرتكزات: الشفافية، الاستجابة لاحتياجات الجمهور، آليات المساءلة، التوافق مع القيم المجتمعية، والكفاءة في تقديم الخدمات. إن غياب الرؤية الاستراتيجية الواضحة يجعل الرأي العام عرضة للتأثير العشوائي، يتأرجح بين مختلف المواقف والسرديات البديلة.
وتعد حوكمة السمعة مجالًا حديثًا يجمع بين نظريات الاتصال والإدارة والعلاقات العامة، ويهدف إلى رسم صورة متكاملة عن المؤسسة وكيف تُدرَك في الوعي العام. التجارب الدولية تثبت جدوى هذا النهج: سنغافورة اعتمدت الشفافية اليومية كوقاية من الشائعات؛ فنلندا جعلت من المعلم رمزًا وطنيًا فعززت سمعتها التعليمية؛ نيوزيلندا واجهت أزمة الإسكان عبر البيانات المفتوحة وإشراك المجتمع؛ والسعودية برزت عالميًا في إدارتها لأزمة كوفيد - 19 من خلال التواصل الاستباقي والشفافية.
إن الصمت ليس حكمة وقت الأزمات، بل ثمنه السمعة. وإدارة السمعة اليوم لم تعد رفاهية، بل ركيزة وطنية في عصر تحكمه السرديات وتبنى فيه القوة الناعمة على الثقة قبل الأرقام.