م. بدر بن ناصر الحمدان
لعقود من الزمن كنت من أكثر المهتمين بتجربة مدينة أمستردام الهولندية في البنية التحتية للدراجات الهوائية وتقديمها كأحد أهم التجارب العالمية في مفهوم الأولوية لوسائل النقل النشطة مثل المشي والدراجات على حساب المركبات الآلية كخيار ناجع لخفض معدلات الازدحام وتعزيز الطاقة النظيفة والتحكم بتكلفة النقل، إذ تمتلك أمستردام شبكة مسارات الدراجات الهوائية بطول 815 كم تحتضن حوالي 40 % من إجمالي الرحلات اليومية من خلال مسارات مخططة باحترافية.
بالرغم من زيارتي لمدينة أمستردام قبل سنوات بشكل خاطف لم يمكنني من فهمها حضرياً، إلا أن شغفي الشديد بتجارب المدن المبتكرة وغير التقليدية دفع بي هذا الصيف إلى زيارة هذه المدينة وعيش هذه التجربة بكل تفاصيلها لعدة أيام كمستخدم للدراجة وعابر طريق وسائق مركبة خاصة في وسط أمستردام الذي يعج بالمشاة والسياح في ظل شبكة نقل معقدة لاسيما بوجود القنوات المائية.
هذا التعايش اليومي غيّر قراءتي عن هذه التجربة الهولندية العريقة؛ إذ برهنت لي أن الدراجات باتت عامل خطورة وقلق كبير جدا على المشاة، لاسيما الأطفال وكبار السن في ظل التهور الواضح من راكبيها، وسبباً رئيساً في جعل بيئة المشاة غير آمنة وغير ممتعة على الإطلاق، ناهيك عن التشوه البصري وشغل المناطق الحرة بهدف تخزينها كمواقف بشكل مفرط جدا، خاصة على الجسور وصعوبة تقبلها في مشهد فوضوي لا يليق أبداً بمدينة عصرية، في مشهد يوحي لك أنك في مدن ماقبل الثورة الصناعية.
عبارة «إحذر من الدراجات» كانت الرسالة المتكررة التي تسمعها ويرددها الجميع، وهذا أمر بديهي حينما نعلم أنه في عام 2023 شكل راكبو الدراجات الهوائية في هولندا حوالي 52 % من إجمالي ضحايا حوادث الطرق بإجمالي وفيات راكبي الدراجات سنويا التي بلغت 246 راكب دراجة، حيث تشير الإحصائيات إلى حوالي 44,000 – 46,000 حادث دراجة سنويًا بأنواعها في كافة المدن الهولندية.
هذه الأرقام تؤكد أن الحلول البديلة والتطرف في استخدامها وفرضها - وإن بدت مبتكرة ومتطورة واقتصادية، وتأتي في سياق المفاهيم الحضرية الجديدة - فإنها تبقى قرارا بشريا مرتبطا بتقييم المحصلة النهائية للجدوى التي أقرت من أجلها، إذ لا يكفي أن تتبنى المدن ثقافة حضرية ما وتسويقها على أنها تعبير عن إدارة رشيدة للمدينة – بهدف الإبهار - دون النظر إلى تأثيرها على السياق العام، خاصة فيما يتعلق بسلامة الناس كأولوية.
بالنسبة لي، فإن أمستردام «أرض الدراجات الهوائية»، تم تصنيفها مدينة «غير آمنة» للمشاة.