سامح الله الدكتور المضيء جاسر الحربش الذي دفعني لكتابة ما ترون مع أني طلقت الكتابة منذ زمن طويل.. فقد قرأت مقالته المنشورة السبت الماضي في هذه الجريدة العريقة بعنوان: (ثم أصبحت الحية الصغرى كوبرا).
وأقول للمبدع الدكتور الحربش أن الأمر قديم.. فالحقيقة إن ظهور نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل (الصهيوني) الأخير لمطالبته الاسرائيليين تحقيق الحلم التوراتي الكبير لم يكن جديداً أبداً.. ولا أجد تفسيراً قابلاً للإشهار) لدى العرب وهم يسيرون من وهن إلى وهن.. لماذا لم يدركوا ذلك منذ عام (1993) عندما كتب نتنياهو ونشر كتابه للمرة الأولى مكان تحت الشمس.. الكتاب يتضمن ذات المطالبة التي أعلنها مؤخراً وتلقفها العرب (بالاستنكار).. وهو كتاب تزيد صفحاته عن (400) صفحة نشره بداية عام (1993) باللغة العبرية.. ونشرته (دار الجليل للنشر الأردنية... بعد ترجمته بالعربية عام (1995).. ولعل من أهم الترجمات ما قام به محمد عوده الدويري) وراجعه كلثوم السعدي) في عام (2015) - كما كتب عنه الاستاذ فايز رشيد كتابة يشرح فيها خطورة الفكر الصهيوني وأهدافهم البعيدة.. وهي الأهداف التي يعتزمون تحقيقها بصرف النظر عن عدد السنين.. نتنياهو نشر الكتاب ذاته باللغة الانجليزية مع بداية الألفية الجديدة باللغة الانجليزية وكان بعنوان مختلف هو مكان بين الأمم)..
وفيه يحدد نتنياهو هذا المكان الذي تحت الشمس أو بين الأمم على مساحات واسعة تختفي فيها بعض الدول العربية وتقضم مساحات واسعة من دول أخرى كما جاء في الكتاب.. كل ذلك كان أمام أصحاب القرار العرب ولكن إما أنهم لم يتنبهوا له أو إنهم انشغلوا عنه بغيره.. أو أن ذلك فهم وفق المقولة العربية كلام جرائد).. أو لعل ذلك يؤكد ما قاله موشي (ديان الذي تقلد عدة مناصب في اسرائيل منها وزيراً للدفاع خلال حرب الهزيمة الكبرى التي أسماها العرب (نكسة).. لقد قال ان خطة حرب الايام الستة كانت شبه معلنة نشراً قبل بداية الحرب ولكننا كنا واثقين ان العرب لا يقرأون - وان قرأوا فإن بينهم وبين الاستيعاب خصومة.. هكذا قال.
في كتاب نتنياهو أوصل حدود حلمهم التوراتي إلى مناطق شاسعة من الدول العربية شرقا وجنوبا وشمالاً.. وحينها تم تكوين لجنة كنت أحد أعضائها لدراسة الكتاب.. واستغرقت الدراسة والتحليل -آنذاك- وقتاً طويلا وبخاصة فيما يتعلق بالاستنتاج والتوصيات.. ولعل ذلك كان مفيداً..
ويقول الحربش: ((المهم هو فهم أبعاد التطبيق الفعلي لما يجري في غزة والضفة الغربية وسوريا ولبنان واستنتاج المعاني من وصية نتنياهو لقومه حول اقتراب الحلم التوراتي من الفرات إلى النيل بما يشمل نصف مصر و (90 %) من سوريا وكامل الأردن ولبنان والكويت ونصف العراق وجنوب تركيا ونصف المملكة العربية السعودية))..
نعم.. إن قمة الحقيقة هو فهم أبعاد التطبيق الفعلي.. وكذا استنتاج المعاني.. وأضيف أن هذا الحلم التوراتي الصهيوني لا يقتصر على نتنياهو وحده وإنما هو بالنسبة للصهاينة جميعاً دستور يمثل عقيدة واجبة التنفيذ مهما طال الزمن.. ولكنهم ينتهجون سياسات متعددة ليست القوة إلا عمادها مع الأخذ في الاعتبار أن حساب الزمن في قاموسهم يختلف عن حساب العرب.. ففي حين يبدو أن الفكر والتخطيط العربي قصير المدى.. فإنهم (الآخر) لا يحيدون عن بلوغ الأهداف ولو كان ذلك بحساب مئات السنين.
على أية حال، لعل العرب يتعاملون هذه المرة مع مطالبة نتنياهو القديمة الجديدة بجدية مختلفة وفق تخطيط مستقبلي بعيد المدى.. والسلام..
** **
- د. ساعد العرابي الحارثي