عبدالله إبراهيم الكعيد
بعث لي الأستاذ الدكتور إبراهيم بن حمد الطريّف، وهو طبيب استشاري متخصص في أمراض وزراعة الكبد وله تاريخ مشهود في تخصصه هذا، إذ تشهد له مدينة الملك عبدالعزيز الطبية ومستشفى الحرس الوطني بتميزه. قلت: بعث لي مقطعاً معبراً أعدت مشاهدته مراراً لدلالات محتواه العميقة. المشهد باختصار عبارة عن تجربة على قطيع من الماعز تسير خلف تيس يجره رجل حول نار عظيمة ارتفع أوراها أوقِدتْ في كومةِ حطبٍ متراكم.
الأغنام كانت تسير خلف بعضها البعض متقاطرة مثنى مثنى، وأخرى ثُلاث متجانبة. قاد الرجل التيس الذي يتبعه القطيع في دائرة حول النار، وحين تشكّلت دائرة مترابطة من الأغنام أولها في ذيل آخرها تركها الرجل فاستمرت في الدوران بلا انقطاع، تبتعد أحياناً عن النار كلما شعرت بالحرارة ثم لا تلبث أن تعود مقتربة في دوران مستمر. مشهد عجيب لا معنى له سوى الطاعة العمياء في سلوك القطيع.
كنت قد كتبت هنا قبل عدة أشهر عن حكاية خرفان (بانورج)، وهو تاجر مُسافر على سفينة ومعه قطيع من الخرفان وكان هذا التاجر جشعاً، عديم الأخلاق. وحدث أن تشاجر على متن السفينة مع أحد الركاب ويدعى (بانورج)، أراد هذا الأخير الانتقام من التاجر الجشع فعرض عليه شراء أكبر خرافه وأقواها بسعر كبير. شعر التاجر بالسعادة لبيعه الخروف بهذا السعر، وبعد إتمام الصفقة سحب بانورج الخروف من قرنيه ورمى به في البحر. وعلى الفور تبعته الخرفان وألقت بنفسها في البحر وراءه وسط ذهول الجميع وحُزن التاجر الذي حاول التمسّك بآخر خروفٍ منها أملاً بإنقاذه، ولكنه رمى بنفسه في البحر ومعه التاجر الذي مات غرقاً مع خرفانه.
سلوك القطيع مصطلح يستخدم في وصف نزعة (البشر/الحيوانات) إلى اتباع تحرّك الجموع دون وعي. فعندما تسير الحشود في اتجاه معين يندفع الفرد تلقائياً للاندماج معها حتى ولو كان يجهل الهدف من تلك المسيرة أو غير مقتنع بسلوك القطيع. عندما تندمج الطاعة العمياء مع سلوك القطيع يصبح الفرد الواحد أسير قرارات الجموع، حتى لو كانت التصرفات مدمرة ونهايتها مأساوية.
صفوة القول: أغنام النار في المشهد وخرفان (بانورج) في الحكاية غير واعية بسلوكها الفردي؛ لأنها مجرد تابع في قطيع. وفي البشر حين يغيب التفكير الناقد يتوقف الناس عن طرح الأسئلة والتفكير في معنى المواقف. للخروج من مأزق الطاعة العمياء لا مناص من تعزيز ثقافة المسؤولية الفردية ونشر التفكير الناقد والتشجيع على طرح الأسئلة.