فضل بن سعد البوعينين
يعد قطاع التعدين من ركائز القوة في الاقتصاد السعودي، والمحققة لمستهدف تنويع مصادر الاقتصاد، والاستثمار الأمثل لمخزون الثروات المعدنية، ومنها النحاس والفوسفات والذهب وخام الحديد وبعض المعادن الأرضية النادرة. قطاع واعد، ومشروع استراتيجي وطني، قادر على تحقيق النمو المتسارع، وخلق فرص استثمارية نوعية، والمساهمة في رفد الاقتصاد، وتوليد الوظائف، وتعزيز التنمية والقيمة المضافة، خاصة في المناطق الطرفية الأكثر حاجة للتنمية، والأقل استقطابا للاستثمارات.
قطاع بدأ من الصفر، وأسهمت الرؤية الحصيفة، والخبرات المتراكمة للكفاءات الوطنية، في تعزيز انطلاقته، ورسم مساره واستكمال متطلباته، خاصة في جانبي البنى التحتية والبيئة التشريعية، إضافة إلى البرامج الفنية، وآلية التنفيذ الكفؤة، والمشروعات المتكاملة، ما أسهم في بنائه على أسس متينة محققه لأهدافه الاستراتيجية.
إلى جانب الموارد المعدنية الضخمة والمتنوعة التي تحتضنها الأراضي السعودية، يمتلك القطاع ميزة تنافسية مرتبطة بالقدرات التنفيذية، والرؤية الاستراتيجية الواضحة، واتساع النطاق الجغرافي لعمليات التعدين، وتنوعها، ما يحد من المخاطر المستقبلية، إضافة إلى استكمال البنى التحتية، وتوفر الخدمات اللوجستية الرابطة لمواقع التعدين بمناطق الإنتاج، والموانئ البحرية.
نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية لشؤون التعدين، خالد المديفر، كشف في حديثه الثري، ضمن برنامج «الدرجة الأولى» على قناة «العربية Business»، عن ارتفاع كبير في تقديرات قيمة الموارد المعدنية للمملكة، حيث ارتفعت من 1.3 تريليون دولار عام 2016 إلى 2.5 تريليون دولار في عام 2024. وبالرغم من حجم التغير الكبير، إلا أن فرص إكتشاف مزيد من الثروات المعدنية الكامنة كبيرة، ما يعزز من تنافسية المملكة عالميا، كلاعب رئيس في قطاع التعدين. إمكانات هائلة، وثروات متنوعة، ورؤية حصيفة مهدت السبل لاستثمار المقومات المتاحة من أجل صناعة المستقبل، وتعزيز الاقتصاد وتنويع مصادره. يؤكد ذلك ارتفاع مساهمة قطاع التعدين في الناتج المحلي الإجمالي من 64 مليار ريال في 2016 إلى أكثر من 120 مليار ريال، بنسبة نمو بلغت 86 %. وارتفاع عدد مصانع التعدين إلى 2200 مصنع.
الطلب العالمي الكبير على المعادن، والطلب المحلي الضخم، يعطي المملكة مساحة أكبر لتحقيق هدفين رئيسين، الأول تعزيز تنمية قطاع التعدين، ليكون رافدا رئيسا للاقتصاد، ومعززا للإيرادات الحكومية، وجاذبا للاستثمارات الأجنبية، ومحققا لمتطلبات التنمية، ومستهدفات رؤية 2030 ومنها أن تكون المملكة مركزا عالميا لصناعة المعادن. والثاني تلبية الطلب المحلي المتنامي على المعادن، فاحتلال المملكة المرتبة الرابعة في استيراد المعادن، يجعلها أكثر حاجة لتأمين جانب مهم من احتياجاتها محليا، وبما يحقق أمنها الاستراتيجي.
المهندس المديفر أشار إلى الضوابط البيئية والمجتمعية المتبعة في قطاع التعدين، وإلى «الرخصة المجتمعية» المطبقة عالميا، وهو أمر مهم للغاية، فقطاع التعدين برغم أهميته القصوى للاقتصاد، وقطاعات الإنتاج، والحاجة الملحة لمكوناته المستخرجة من باطن الأرض، ومخرجاته من المنتجات الوسيطة والنهائية، التي لا يمكن العيش دونها، إلا أن تحدياته البيئية مؤثرة على صحة الإنسان وسلامة البيئة، ما يتسبب في مواجهة دائمة بين المجتمعات المنفتحة، ومؤسساتها، وبين شركات التعدين، لذا تظهر الحاجة الدائمة للاتفاقيات المجتمعية، الضامنة لمشروعات المسؤولية المجتمعية وفي مقدمها التوظيف وتنمية المنطقة الحاضنة لمواقع التعدين، وتطبيق المعايير البيئية الصارمة لحماية المجتمع. والحقيقة أن لشركة معادن دورا إيجابيا في تحقيق جانب مهم من تلك المتطلبات في مواقع التعدين في المنطقة الشمالية، والمنتظر أن تعزز تلك الجهود المباركة، وأن تتوسع في برامج المسؤولية المجتمعية، وبما يسهم في تنمية المجتمعات المحلية في المنطقة الشمالية، والمحافظات والمراكز القريبة من رأس الخير.
الإشارة إلى صعوبة العمل في المناطق النائية الحاضنة لمواقع التعدين، والاعتماد على التقنية الحديثة والإدارة والإشراف عن بعد، لمعالجة ذلك التحدي، قد يحد من تنمية المناطق النائية التي تعد المستهدف الرئيس الذي تبنى عليه استراتيجية التعدين. في بدايات التنقيب عن النفط، كانت بعض مدن الشرقية بعيدة كل البعد عن المدنية المتاحة للغربيين في دولهم، ما شكل تحديا لاستقطاب الخبراء والمهندسين للعيش في الصحراء أو البلدات الصغيرة التي تنقصها جميع الخدمات التي اعتادوا عليها. إلا أن الاستثمار في قطاع النفط حول الصحاري والبلدات البدائية إلى مدن، ومجتمعات حضرية يتوافر بها جميع الخدمات.
ما نرجوه من معادن، أن تكون قاطرة التنمية في المناطق النائية، وأن تمضي في أهدافها التنموية التي قد تحد من ربحيتها، إلا أنها ستعظم مساهمتها التنموية وبناء الإنسان والمكان، وهذا ما تستهدفه القيادة والحكومة الرشيدة من خلال استراتيجية التنمية المتوازنة، والشاملة، وبرامج التحول الاقتصادي. وللحديث بقية بإذن الله.