رمضان جريدي العنزي
القصيدة ليست بطولها وعرضها، إنما بعمق معناها، وسحر مبناها، وروحها التي تهز القلوب، وتستقر في الوجدان، وبمفرداتها التي توقظ الفكر والروح، القصيدة ليست زخرفة لفظ، ولا إسهاب كلام، فكم من بيت وجيز أوجز ما عجزت عنه دواوين وكتب وقصائد طويلة، إن براعة القصيدة تكمن في الإثارة، واصطياد المعنى، وابتكار المفردة، وليست مجرد هلوسة فكرية، وغثاء سيل، وزبد بحر، ورص حروف، وعملية استرزاق وتكسب وتسول، ومدح من لا يستحق المدح، تطرفاً وعنوةً وقصداً، ابتغاء المال، والوصول لهدف معين، وليست حقيقة فعلية بالممدوح وشخصه ومكانته وفعله وعمله، إن القصيدة التي لا تكتب بواقعية وصدق، ولا تقاس بالأثر، لن تسكن الذاكرة، بل تمجها الذاكرة مجاً، وتلفظها لفظاً، القصيدة الحقيقية ليست في زخرف القول، ولا في تشابك القوافي، بل بصدق الإحساس، وحرارة المعنى، وعمق النظرة، والنبض السليم من غير تكلف، إنها لمحة وعي في زمن الحشو، وومضة ضوء في عتمة البلاغة المصطنعة، إن القصيدة التي لا تلامس القلب، ولا تبكي العين، ولا تتأثر بها الروح، لن تبقى أبداً، بل تتلاشى كما يتلاشى القش عند هبوب الريح، القصيدة لا تولد من ترف اللغة، بل من جوع المعنى، وليست زينة يتجمل بها اللسان، بل مرآة تنكشف فيها حقيقة الشاعر، القصيدة التي لا تحرك شيئاً في داخل المتلقي، لا تستحق أن تقال، ولا أن تحفظ، إن بيتاً واحداً قد يسري في الروح كما يسري الدم في العروق، أفضل بكثير من ستين بيتاً مجرد حشو لغوي وطلاسم، القصيدة ليست مجرد قافية ووزن، بل اختزال لكون من العاطفة، القصيدة هي أن يقول الشاعر ما يعجز غيره أن يقول، وأن يصمت الشاعر حين يكون الصمت خيراً له، القصيدة الحقيقية هي التي تشرح نفسها، ولا تحتاج قواميس أو وسطاء، تدخل القلب بلا إذن، وتقيم فيه بلا موعد، وتترك أثرها حتى ولو بعد حين طويل.