منال الحصيني
في العقود الأولى وعلى وجه التحديد شهدت (سبعينيات) القرن محاولات لتأسيس خطاب (موازٍ للسردية الذكورية السائدة) آنذاك، حيث اتخذ الأدب النسوي السعودي طابعاً موارباً لجأت إليه الكثير من الكاتبات على خجل وبأسماء مستعارة وربما خطاب رمزي يخفي الكثير مما لم يقل كونه مجرد اجتهادات فردية لمجموعة من النساء اللواتي كتبن على هامش المشهد الثقافي.
أما في (التسعينيات) فقد انقلب المشهد ليثبت أن الأدب النسوي السعودي لم يكن رفاهية أو ترفا أدبياً يثري الناتج الفكري في الكتابة لكنه أداة لتفكيك القيود وإثبات الذات.
ومن هنا ظهرت نصوص كتبت بأنامل سعودية من خلال الشعر والمقالة وحتى الرواية لتشكل نواة لوعي جمعي سيجد صداه في الأجيال القادمة.
وفي (التسعينيات) برزت العديد من الأسماء لتزيل حاجز الصمت بتقديم نصوص تُعلي من صوت المرأة وتخرجها من كونها «مجرد موضوع للقصة» إلى «ذات معبّرة» حيث تحول «النص» إلى مساحة تجهر بالذات الأنثوية بعد ما كان الهمس يضفي الطابع العام للفكر آنذاك فصوتها الجهور أصبح يعرض جوانب القضايا التي تمسها حريتها... جسدها... وهويتها.
ولعل (الرواية) في تلك الحقبة الزمنية هي المجال الأوسع لتحسين الأدب النسوي السعودي حيث فتحت بابا (موارباً) تخرج من خلاله المرأة للعالم لتحكي شيئًا من تفاصيلها اليومية والكثير من مقاومتها لصورتها النمطية التي كثيرا ما اختزلت في أدوار وكتابات محدودة جاء الكثير منها على استحياء وللروائية (بدرية البشر) في العقود الثلاثة الأخيرة أعمال يمكن وصفها «بوثائق اجتماعية» رصدت تحولات كبيرة لبنية المجتمع بدأت من علاقة المرأة بأسرتها وصولا إلى موقعها في المجال العام الاجتماعي.
فالقارئ للأدب النسوي السعودي يجد أنه نصاً قائما بذاته ليس بمعزل عن وقائع المجتمع لكونه شهادة تاريخية حية على صراع المرأة مع القيود الاجتماعية وسعيها نحو إعادة تعريف ذاتها وفق الأُطر المتاحة داخل الفضاء الثقافي المتحرك بوتيرة متسارعة، فهو ليس مجرد تيار أدبي ولكنه «كيان» متواجد يثبت أن المرأة ليست متلقية للتاريخ بل كاتبة له أيضاً.
فكل نص أنثوي سعودي يعد لبنة في بناء هوية وطن ينهض ويتجدد حضوره.
الأدب النسوي السعودي يمكن وصفه أنه نص «جماعي» يكتبه التاريخ بأقلام النساء ليكون شاهداً على رحلة طويلة من الصمت إلى البوح ومن الهامش إلى المحور.
استطاعت فيه المرأة السعودية أن تذيب (البطريركية) الذكورية في الأدب السعودي المهيمنة في تلك الفترة.
فباعتبار الأدب من أندر المساحات التي تستطيع فيها المرأة أن تعبر عن ذاتها بجرأة ولكن استطاعت الكاتبات إعادة صياغة العلاقة بين «الذات الأنثوية» و«الواقع» من خلال خروج المرأة وتحولها من «الموضوع» إلى «الراوي» كخطة مفصلية للخروج من (السلطة الذكورية) حيث لم يكن مفهوم (البطريركية) في ثقافتنا مجرد سلطة ذكورية فقط لكنه بنية اجتماعية صلبة تقوم على قوامة ومركزية الرجل في الأسرة والمجتمع على حد سواء ما جعلت مسؤولية الرعاية حق مشروع للرجل ولكن في الوقت نفسه تُقيد المرأة في نطاق ضيق من الأدوار التي لا تتجاوز الأسرة وشيئًا من خصوصيتها.
وعلى الجانب الآخر فقد جاء (الأدب النسوي السعودي) لا ليهدم هذه البنية لكن ليعيد النظر في جوانب إنسانية لا يشعر بها الرجل ربما تكون جوانب نفسية بحتة تخص المرأة.
فالكاتبات السعوديات لم يكتبن نصوصا معادية للرجل بل قدمن نصوصًا حوارية تبني جسور التفاهم، وتعيد تعريف العلاقات بين المرأة والرجل على أساس المشاركة والاحترام المتبادل، مع الحفاظ على قيم المجتمع وأصالته وتضع المرأة في موضع الشريك في الحلم وصناعة القرار وشريك مهم في كتابة التاريخ.
ومع ما نشهده من تحولات تاريخية تعيشها المملكة في ظل رؤية المملكة 2030 لم يعد الأدب النسوي السعودي أداة كتابة (للمواجهة والمقاومة) بل أضحى شريكاً في صناعة الوعي الوطني فعكس تمكين المرأة في الواقع على جرأة النصوص وتنوعها حيث أصبح قلم الكاتبات السعوديات أكثر انفتاحاً على قضايا الحداثة والهوية الثقافية.
وحصدت الكثير من الكاتبات والروائيات العديد من الجوائز المحلية والعالمية، وبذلك يمكن القول إن (الأدب النسوي السعودي) يمثل اليوم صوت المرحلة الجديدة، مرحلة وطن يتغير ويتحول للمستقبل بخطى ثابتة ومدروسة.
فليس في الأمر صراع بين المرأة والرجل ولكنه تكامل بين أدوار متجددة تحفظ قيم المجتمع وتفتح له آفاق المشاركة المتساوية.