رسيني الرسيني
اختلف المختصون حول أسباب الأداء الضعيف لسوق الأسهم السعودي -تاسي- في عام 2025م. ورغم إجماعهم على أن ضعف السيولة أحد العوامل الرئيسية، إلا أنهم اختلفوا حول مسببات هذا التراجع مقارنة بفترات سابقة شهدت أداءً أفضل. ويُعد هذا التباين في الآراء أمرًا طبيعيًا، فقراءة السوق تعتمد على جانبين أساسيين: أولهما علم مبني على أدوات التحليل المالي والاقتصادي يوضح آلية حركة السوق، وثانيهما فهم سلوكيات المستثمرين، والتي تتأثر بعوامل ظاهرة كالأخبار السياسية والاقتصادية، وأخرى غير مبررة تتعلق بالعواطف والمزاج العام، ما يصعب التنبؤ به بدقة.
أحد الأسباب المهمة برأيي هو ضعف الأداء المالي للشركات، حيث أظهرت النتائج أن أكثر من نصفها إما تراجعت أرباحها مقارنة بالفترة المماثلة أو سجلت خسائر. في المقابل، برزت بدائل استثمارية مغرية وسهلة الوصول، ما سحب جزءًا من السيولة باتجاه هذه القنوات البديلة. كما لا يمكن إغفال مرور السوق بمرحلة تصحيحية مهمة شملت تطوير آليات ضبط المخالفات، وإعلانها بشفافية. ورغم أن ذلك عزز من نزاهة السوق وثقة المستثمرين، إلا أن له آثارًا جانبية مؤقتة، تمثلت في انسحاب بعض المضاربين من السوق، وهو أمر وإن بدا سلبيًا من حيث تأثيره على السيولة الآنية، إلا أنه في جوهره يعزز رهان السوق على الأساس السليم للنمو والاستدامة.
أما القول بأن كثرة الاكتتابات وراء تشتت السيولة فأعتقد أنه محدود جدًا، إذ إن معظم الطروحات الأخيرة كانت لشركات صغيرة أو متوسطة الحجم لا تشكل وزنًا أو تأثيرًا جوهريًا على مؤشر السوق أو السيولة. بل تعكس كثرة الاكتتابات حيوية السوق وعمق خياراته، وهو مؤشر إيجابي على تطوره. لكن من المهم الإشارة إلى أن بعض الطروحات لم تحقق أداءً جيدًا بعد الإدراج، ما خيب آمال المستثمرين. هذا يطرح تساؤلات حول دقة تقييم الشركات قبل طرحها، وأهمية إعادة النظر في الجهات المقيمة التي يجب أن تتحمل مسؤولية تحديد سعر الطرح بما يتماشى مع واقع الشركة وآفاقها.
من الحلول الأساسية تعزيز دور الجمعيات العمومية لتكون أكثر فاعلية، وهو جانب تنظيمي ممكن تحقيقه. أما على صعيد المستثمرين، فيجب رفع الوعي الاستثماري وفهم مبادئ الحوكمة ومحاسبة مجلس الإدارة على أداء الشركة، أو الاستعانة بالخبراء عند اتخاذ قرارات مالية. ولزيادة جاذبية السوق، يمكن النظر في فتح فترات تداول إضافية كما هو معمول به في الأسواق الأمريكية، ما يتيح مرونة أكبر للمستثمرين، خاصة من خارج المملكة. كذلك، يُقترح رفع نسبة التذبذب اليومي بشكل مدروس، بما يسمح بتصحيح أسرع لأسعار الأسهم، ويعزز من كفاءة السوق وتفاعله مع الأحداث بشكل أكثر ديناميكية.
حسنًا، ثم ماذا؟
يمثل التباين في تفاعل سوق الأسهم مع الأخبار تحديًا يستحق الدراسة؛ إذ يلاحظ تأثر السوق بالأخبار السلبية - حتى وإن لم تكن مرتبطة به بشكل مباشر - في مقابل ضعف استجابته للأخبار الإيجابية، رغم كثرتها وارتباطها المباشر. تحليل هذا السلوك من خلال دراسة أنماط تفاعل الصناديق الاستثمارية والمستثمرين الأفراد قد يسهم في تفسير الكثير من الأسئلة المتعلقة بأداء السوق وتقلباته.