د. إبراهيم بن جلال فضلون
39 تريليون دولار خسائر الاقتصاد العالمي بحلول 2050 جراء اختفاء مصائد الأسماك والزراعة، إنه تدمير منسي للأراضي الرطبة يُشارك فيه العالم، ويُنذر بعدم السيطرة على الفيضانات، خاصة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، ولكنه يتفاقم في أوروبا وأمريكا الشمالية.
ويجري تنفيذ مشاريع إعادة تأهيل في دولٍ منها زامبيا وكمبوديا والصين.
إن الخسارة فادحة، وفقاً لتقرير صادر عن اتفاقية الأراضي الرطبة (رامسار)، الأخير، والتي انضمت إليها المملكة، ممثلة بالمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، حيثُ تفقد المجتمعات المليارات من الدولارات سنويًا نتيجة تدهور الأراضي الرطبة، التي تعتبر ركيزة رئيسة للزراعة المستدامة ومصايد الأسماك والسياحة البيئية للكثير من السكان فمنها 22 %، تعتمد على المياه العذبة مثل أراضي الخث والأنهار والبحيرات أو الأنظمة البحرية الساحلية بما في ذلك أشجار المانجروف والشعاب المرجانية، اختفت منذ 1970 في أسرع مسار لاختفاء نظام بيئي.
إن حجم الخسارة والتدهور أكبر من القدرة على تجاهله، كون المسببات الرئيسة لهذا التراجع هي ضغوط تتعلق بتغير استخدامات الأراضي والتلوث والتوسع الزراعي والأجناس الدخيلة وتأثيرات تغير المناخ مثل ارتفاع منسوب سطح البحر والجفاف، مما يمثل «نقصا كبيرا في الاستثمار»، وهو ما جاء في اجتماع أطراف اتفاقية الأراضي الرطبة في شلالات فيكتوريا بزيمبابوي، وهي اتفاقية عالمية موقعة عام 1971 من قبل 172 دولة لقيادة جهود الحفاظ على النظام البيئي، ويعقد كل 3 أعوام بمشاركة دول منها الصين وروسيا وأمريكا، داعياً إلى استثمارات سنوية تتراوح بين 275 و550 مليار دولار لإبعاد التهديدات التي تتعرض لها الأراضي الرطبة المتبقية، علماً بأن الفوائد الاقتصادية لتلك الأراضي التي تُعد حليفًا رئيسًا في مواجهة التغير المناخي كونها من أهم المخازن الطبيعية للكربون، وتنظم الفيضانات وتنقي المياه، وهي أمور أساسية مع ارتفاع منسوب المياه وتزايد العواصف المدارية والأعاصير بسبب تغير المناخ. كما أنها تدعم قطاعي صيد الأسماك والزراعة، وتوفر فوائد ثقافية. لكن مع تجفيف هذه المناطق وتحويلها إلى أراضٍ زراعية أو صناعية، يتحول الكربون المختزن فيها إلى غازات دفيئة تُسرّع من وتيرة الاحتباس الحراري، بل ويؤثر في الهجرة الموسمية للطيور، وفي الدورات البيولوجية المرتبطة بالماء والتربة، ويؤدي إلى تفكك سلاسل غذائية كاملة.
وهنا يعكس انضمام المملكة التزامها بصون ثرواتها البيئية وموائلها الفطرية وما تحتويه من تنوع أحيائي ثري، وتعزيز الاستدامة البيئية ودعم الاقتصاد الوطني، ودعمًا قويًا للجهود الدولية للحفاظ على النظم البيئية في البيئات البرية والساحلية، التي تحظى بأهمية تفوق كونها مساحاتٍ طبيعية، باعتبارها نُظمًا بيئية غنية تضم تنوعًا أحيائيًّا وثروات فطرية فريدة، تضم أكثر من 40 % من الكائنات والنباتات على سطح الأرض، كما تُخزن 30 % من الكربون الموجود في العالم، وتُعد مصدرًا مهمًا لاستخراج المياه والغذاء والدواء، ولإنتاج الطاقة، ودعم الإنتاج الزراعي، وتنظيم المناخ، كما تعد مواقع سياحية ذات قيمة بيئية، ومحطات رئيسية لهجرة الطيور المائية بين قارات العالم.
والحل هو تكاتف المجتمعات التي دعتها الأمم المتحدة ومنظمات البيئة الدولية إلى حماية الأراضي الرطبة وإدماجها في سياسات التخطيط العمراني والاقتصادي، كما أن الاستثمار في استعادتها لا يُعدّ فقط ضرورة بيئية، بل تعتبر إستراتيجية تنموية طويلة المدى تضمن الأمن الغذائي والمائي، وتقلل من المخاطر المناخية، وتحمي مصادر الدخل المستدامة، وهو ما جعل بعض الدول بالفعل في إطلاق مبادرات لإعادة تأهيل أراضٍ رطبة مهددة، مثل ما حدث في بنغلاديش وهولندا والبرازيل، حيث تم تسجيل تحسن ملحوظ في التنوع الحيوي والخدمات البيئية بعد استعادة هذه الأنظمة البيئية.
إذاً يجب التكاتف الدولي للحفاظ على الأراضي الرطبة والتنسيق بين الحكومات والمجتمعات المحلية والقطاع الخاص، إذ إن تجاهل هذا الملف يعني خسارة موارد طبيعية لا يمكن تعويضها بسهولة، وفقدان توازن بيئي يُهدد استقرار الحياة على كوكب الأرض.