د.عبدالرحيم محمود جاموس
في زنازين الاحتلال الباردة، حيث الجدران تضيق والليل يطول، يقف الأسرى الفلسطينيون على تخوم الصبر والإرادة، أحياءً بأرواحهم، أحرارًا بكرامتهم، ولو كبّلتهم السلاسل. هناك، في العزل الانفرادي منذ أكثر من عامين، يقبع القائد مروان البرغوثي، أحد أبرز عناصر حركة فتح الذي لم يساوم على الحرية.
ثلاثة وعشرون عامًا من الأسر، لم تكسر عزيمته، بل زادته صلابة، محمّلة بوجوه رفاقه وصوت الأرض ونداء الحرية. والآن يطلّ علينا وزير أمن الاحتلال المتطرف إيتمار بن غفير بتهديده العلني بقتل البرغوثي، في انتهاك فجّ لكل القوانين الدولية، وكأن موت الجسد قادر على كسر روح شعب بأكمله.
إن ما يتعرض له الأسرى من حرمان للزيارة، ومنع للعلاج، وتعذيب نفسي وجسدي، وعزل طويل، ليس سوى سياسة فاشية ممنهجة، تخرق اتفاقيات جنيف الأربع التي تحمي أسرى الحرب، وتنتهك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب التي تحظر المعاملة القاسية أو الحاطة بالكرامة.
ورغم أن الأسرى الفلسطينيين هم أسرى حرب وفق القانون الدولي الإنساني، فإن سلطات الاحتلال تتعامل معهم كمجرمين، وتفرض عليهم إجراءات انتقامية، مستغلة صمت المجتمع الدولي وتقاعس المؤسسات الأممية عن فرض الحماية اللازمة لهم. وما يجب فعله الآن، هو تحرك فلسطيني رسمي لرفع قضايا أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد قادة الاحتلال المتورطين في جرائم ضد الأسرى. إلزام الصليب الأحمر الدولي والمنظمات الحقوقية بزيادة وتيرة زياراتها للسجون وتوثيق الانتهاكات.
الأسرى هم ضمير فلسطين الحي، وصوتها العالي خلف القضبان. الدفاع عنهم ليس خيارًا، بل واجب وطني وأخلاقي وقانوني. وليعلم السجّان أن الليل مهما طال سينكسر على فجركم، وأن العزلة مهما اشتدت ستذوب على وقع خطواتكم نحو الحرية… فموعدنا معكم وطن بلا قيود، وأرض بلا سجون.