فاتن حمد الخرج
العجوز الذي يمرّ كل يوم في الحي الذي أقطن فيه، أراه كل يوم.. عجوزًا يمشي في الشوارع بلا هدف واضح، كأن الحياة فقدت اتجاهاتها داخله، أو كأن الخريطة التي يحملها في قلبه لم تعد صالحة.
تارةً أراه بثياب متسخة، كأن الزمن أثقلها بالغبار، وتارةً أخرى، يظهر بثياب نظيفة، كأن أحدهم اعتنى به قليلاً، أو كأنه قرَّر أن يمنح نفسه فرصة أن يبدو بخير. يسير بخطى عجلى، وكأن لديه أعمالاً كثيرة لا تقبل التأجيل، لكن الحقيقة التي تهمس بها عيناه.. أنه لا يعرف إلى أين.
في داخله، يبدو أنه يحمل جبلاً من الحيرة والتوتر، عيناه لا تعرفان الاستقرار، تتجولان كما يتجول هو... كأنهما تبحثان عن معنى ما، عن ملامح قديمة، أو عن زمن ضاع.
أحسّه كلما مرّ، كأنه لا يتجوّل فقط، بل يتيه في الشوارع وفي نفسه.
وفي كل مرّة أراه، أشعر بشيء مختلف.
عادةً، أخاف من الغرباء الذين يتجوّلون في الطرقات بلا وجهة، لكن هذا العجوز.. أنا أخاف عليه، لا منه. أحنّ إليه، دون أن أعرفه، لأنه مسالم، لم يؤذِ أحدًا، ولم يزعج أحدًا. يمشي بهدوء، وكأن روحه تهمس للشارع: «اعذرني.. أنا فقط أبحث عن شيء يشبهني».
يستحي إذا طال أحد النظر إليه، ينكّس رأسه، كأنه يقول: «اعذرني، لم أقصد أن أكون عبئًا على عينيك».
ورغم كل هذا.. يمر كل يوم، ويترك في القلب شعورًا لا يُسمّى، خليطاً من الرحمة، والشفقة، والاحترام.. لرجلٍ لم نعرفه، لكننا شعرنا به.