محمد الخيبري
أثار قرار إقامة بطولة كأس السوبر السعودي في الصين جدلاً واسعًا في الأوساط الرياضية والإعلامية، والمتزامن مع إقامة المعرض بالأسطورة العالمية ونجم فريق النصر كريستيانو رونالدو خاصة بعد اعتذار نادي الهلال عن المشاركة. ففي الوقت الذي اعتبر فيه البعض أن قرار إقامة كأس السوبر السعودي بالصين يهدف إلى زيادة شعبية الكرة السعودية وتوسيع قاعدة جماهيرها في آسيا، وتحقيق مكاسب لوجستية بعيدة المدى رأى آخرون أنه يخدم مصالح معينة على حساب الأندية المشاركة.
مع إعلان اعتذار الهلال، تصاعدت حدة الخطاب الإعلامي، حيث أقدم بعض الإعلاميين المحسوبين على نادي النصر على ترويج فكرة أن هذا الاعتذار ليس سوى «هروب» من مواجهة فريق النصر في أرض تكتظ بـ«جماهير عالمية» مزعومة.
هذه الشعبية المزعومة أُسست على حملات إعلامية مكثفة، وصفتها الجماهير المحايدة بـ «المضحكة»، حيث تم التلاعب بالصور والمقاطع لتضخيم الحضور الجماهيري للنصر في بعض الدول الآسيوية.. هذه الحقائق ظهرت في منشورات صدرت من حساب نادي النصر بمنصة (X) تتضمن همزاً ولمزاً تجاه هذه الشعبية التي تسبب بهروب الهلال وليس اعتذاره عن المشاركة ببطولة كأس السوبر السعودي.. بينما انتشرت عدة مقاطع فيديو لقيام أشخاص سعوديين بتوزيع القمصان والشالات مجاناً على أشخاص يمرون بالقرب من سكن البعثة النصراوية وحول ملعب المباراة.. فيما جاءت بعض التصاريح من الحضور الصيني لمباراة السوبر الكبيرة التي جمعت النصر بالاتحاد والتي انتهت بفوز نصراوي مستحق بهدفين لهدف بأن حضورهم فقط لرؤية الأسطورة كريستيانو رونالدو ليس إلّا.
هذا الطرح أثر بشكل مباشر على ردة فعل الجماهير النصراوية، التي تبنت هذه الفكرة ولديها الاستجابة السريعة للأدلجة الإعلامية وراحت تهاجم الهلال وجماهيره بسخرية وتندر معتاد.. تجاهل هؤلاء الإعلاميون والمتعصبون أسباب الهلال المتمثلة في تنفيذ بعض العقود التي تنص على ضرورة استمتاع اللاعبين بـ28 يوماً على الأقل كإجازة سنوية وفي ضغط المباريات، وإصابات اللاعبين، والتحضير للمشاركات القارية المهمة، وركزوا فقط على فكرة الهروب.
إقامة السوبر في الصين ليست سوى فرصة استثمارية وتجارية. لكن تحويلها إلى ساحة للانتصار الإعلامي المزعوم والتقليل من شأن الأندية الأخرى، يضر بسمعة الكرة السعودية ككل.
بينما يرى البعض في اعتذار الهلال هروبًا، يراه آخرون قرارًا عقلانيًا يضع مصلحة الفريق أولًا.. فهل فعلاً هروب الهلال من مواجهة شعبية النصر المزعومة هو السبب الحقيقي؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه حربًا إعلامية تهدف إلى تحقيق مكاسب شخصية على حساب مصلحة الأندية والمنتخب الوطني؟
المتعقل يرى أن محاولة تمرير أن الهلال الفريق الأشهر والأنجع في القارة الآسيوية والفريق الأكثر شعبية وصاحب الإرث التاريخي الكبير والذي يتجاوز فريق النصر بمسافات كبيرة جداً هروباً من شعبيته هو أمر مضحك. لقد تحول الأمر من منافسة رياضية إلى محاولة ركيكة لإثبات الأحقية بالشهرة، وكأنها السباق الوحيد على الإطلاق. تلك الشعبية المصنوعة التي يتباهى بها البعض، ليست سوى فقاعة إعلامية سرعان ما تتلاشى.
فقد رصدت كاميرات الناقل للمباراة مغادرة بعض الجماهير لمدرجات الملعب بعد قرار مدرب الفريق جورجي جيسوس استبدال الأسطورة البرتغالية «كريستيانو رونالدو» ورصدت أيضاً العديد من الجماهير الصينية ترتدي القميص النصراوي برقم (الدون) والبعض الآخر يرتدي قميص منتخب البرتغال برقم كريستيانو أيضاً.
من حق الجماهير النصراوية التغني بفريقها وبشعبيته حتى وإن كانت مزعومة ومصنوعة إعلامياً ولكن لا يحق لهم التوجه للهلال وجماهيره بشكل يزيد من الاحتقان والتعصب ويهدف لاستجلاب ردة فعل هلالية بفعل العاطفة.
قشعريرة
في مشهد يتكرر في كواليس الكرة السعودية، ظهرت لجنة الانضباط والأخلاق لتلعب دوراً جديداً، ولكن هذه المرة بلمسة درامية لا تخلو من الجرأة.
قبل 48 ساعة فقط من انطلاق الموسم الرياضي الجديد، أُعلن عن استحداث مادة جديدة، هي المادة التاسعة الانضباطية والتي تخص الاعتذار عن المشاركة في البطولات وترشيح فريق آخر بديلاً للفريق المنسحب وإيقاع العقوبة الانضباطية على الفريق المنسحب بتكفله بالالتزامات المالية لمباريات هذه البطولة. هذه الخطوة، التي تبدو في ظاهرها تنظيمية، لم تكن سوى محاولة لإيجاد غطاء قانوني لقرار تم اتخاذه مسبقاً: تثبيت عقوبة انضباطية على نادي الهلال..
الهدف من هذه المادة كان واضحاً ومحدداً معاقبة الهلال على اعتذاره عن المشاركة في بطولة كأس السوبر السعودي كما فعلت بالسابق في قضية لاعب فريق الوحدة «محمد القرني» والتي خسرها الهلال نتيجة التعديل في اللوائح النظامية واستحداث لوائح أخرى.. لكن ما يثير التساؤل هو توقيت صدور هذه المادة لماذا لم يتم الإعلان عنها قبل أشهر؟ لماذا اختيرت هذه اللحظة الحرجة، وقبل أيام معدودة من بدء المنافسات، لسن قانون جديد؟
هذا الأسلوب في «تعديل» اللوائح حسب الحاجة يكشف عن خلل عميق في منظومة العدالة الرياضية..
لم يعد القانون هو المظلة التي تحمي الجميع، بل أصبح أداة مرنة يمكن تشكيلها لتخدم أهدافاً معينة، وتستهدف أطرافاً محددة.. إنه يعطي انطباعاً محبطاً بأن القرارات تُتخذ أولاً، ثم تُصاغ لها القوانين لاحقاً لتبريرها.. هي رسالة واضحة بأن اللوائح يمكن أن تُفصّل على مقاس الأندية.