د. سفران بن سفر المقاطي
في خضم التهديدات البيئية المتزايدة التي تواجه الأرض، من التغير المناخي المتعاظم إلى انتشار حرائق الغابات وانقراض بعض الكائنات الحية، وصولاً إلى تلوث بعض الأنهار والبحيرات وأجزاء من البحار والهواء، أصبح الإعلام البيئي ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى؛ لكي يسهم في توعية المجتمعات وتوجيهها نحو مستقبل بيئي مستدام. ومع استمرار ارتفاع درجات الحرارة العالمية، التي تجاوزت 1.2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي (وفقًا لتقرير الأمم المتحدة لعام 2024)، أصبح للإعلام البيئي دور جوهري في نقل الحقائق العلمية المعقدة بلغة يفهمها الجمهور، لكونه يعمل على تحويل البيانات إلى قصص إنسانية تحفز على الاهتمام بالبيئة وتعزز المسؤولية الجماعية. وليس الأمر حديثًا، بل امتد منذ سبعينيات القرن الماضي، عندما أطلق «يوم الأرض» في عام 1970 أولى فعاليات العالمية لتعزيز الوعي البيئي، حيث وضعت قضايا المناخ والتلوث وفقدان التنوع البيولوجي في صلب اهتمامات الإعلام المعاصر.
ومع تطور التقنيات الرقمية خلال العقود الأخيرة، أصبح بإمكان الإعلاميين البيئيين نقل الحقائق بسرعة ودقة إلى جمهور عالمي متنوع، مما عزز من حضور قضايا البيئة عالميًا. وتشير تقارير اليونسكو لعام 2023 إلى أن نحو 75 % من سكان العالم يعتمدون على وسائل الإعلام كمصدر رئيسي للمعلومات البيئية، مما يفرض على الإعلام البيئي مسؤولية كبيرة في توجيه الرأي العام وتحفيز السلوك المستدام. وتكمن قوة هذا النوع من الإعلام في اعتماده على السرد القصصي الإنساني، الذي يحول البيانات المعقدة إلى حكايات واقعية تبرز مدى تأثر المجتمعات بالأزمات البيئية، مما يدفع نحو تغيير ملموس. فقد أثبتت دراسة نشرت في مجلة «إعلام الطبيعة» عام 2024 أن التغطية الصحفية ذات الطابع الإنساني تعزز من تفاعل الجمهور مع قضايا البيئة بنسبة تصل إلى 45 % مقارنة بالتقارير الإعلامية التقليدية.
وفي ظل الثورة الرقمية، برزت وسائل التواصل الاجتماعي كمنصات جديدة لحشد الدعم والتوعية البيئية. فقد حققت حملات مثل «العمل من أجل المناخ» ملايين المشاركات عالميًا، وأسهمت في حوار عابر للحدود حول قضايا البيئة. ومع ذلك، فإن هذا الانتشار السريع للمحتوى الرقمي جاء مصحوبًا بتحديات كبيرة، أبرزها انتشار المعلومات المضللة والأخبار الزائفة. إذ كشفت دراسة أجرتها جامعة هارفارد في 2023 أن نحو 28 % من المحتوى البيئي المتداول عبر الإنترنت يحمل معلومات غير دقيقة أو مضللة، مما يفرض على المؤسسات الإعلامية ضرورة الاستثمار في تدريب الإعلاميين البيئيين على مهارات التحقق من الحقائق وتبسيط المعلومات والبيانات البيئية للجمهور. وتؤكد نتائج استطلاع مركز بيو للأبحاث لعام 2024 أن 68 % من المشاركين في 25 دولة اعتبروا التغطية الإعلامية لتغير المناخ حافزًا رئيسيًا لدعم سياسات بيئية أكثر جدية.
لقد أثبتت العديد من المبادرات الإعلامية قدرتها على إحداث تغيير ملموس في وعي وسلوك المجتمعات. فحملة «ساعة الأرض» التي ينظمها الصندوق العالمي للطبيعة منذ عام 2007، ما زالت تحقق مشاركة قياسية، حيث أطفأ أكثر من 2.5 مليار شخص الأنوار في عام 2024 لتسليط الضوء على أزمة الطاقة وتغير المناخ.
وفي الولايات المتحدة، يظل فيلم «حقيقة مزعجة» الذي أنتجه آل غور عام 2006 أحد أبرز المنعطفات في تاريخ الإعلام البيئي، حيث نقل قضية المناخ من المختبرات إلى صالات السينما، وأسهم في تهيئة البيئة السياسية لانضمام أمريكا إلى اتفاقية باريس للمناخ. صحيفة «نيويورك تايمز» واصلت عبر قسم «مكتب المناخ» تحقيقاتها اليومية حول قضايا مثل حرائق الغابات والطاقة المتجددة، وأسهمت تقاريرها الأخيرة في عام 2024 في تحفيز الكونغرس الأمريكي على تمرير حزم تمويلية غير مسبوقة للتحول الأخضر.
ورغم كل هذا الزخم، لا تزال تغطية الإعلام الغربي تميل للتركيز على القضايا المحلية، بينما تبقى معاناة دول الجنوب العالمي، الأكثر تضررًا من آثار التغير المناخي، خارج دائرة الضوء. ففي إفريقيا وجنوب آسيا وأمريكا اللاتينية، تتعاظم الكوارث البيئية دون أن تحظى بالتغطية الكافية، رغم أن هذه المناطق تتحمل العبء الأكبر من الانبعاثات وتفتقر إلى إمكانيات المواجهة. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى مبادرة «الإعلام الأخضر» التي أطلقتها إذاعة مونت كارلو الدولية باللغة العربية، التي خصصت برنامجًا أسبوعيًا منذ عام 2020 لتسليط الضوء على قضايا التغير المناخي والتلوث البحري في لبنان وتونس والمغرب. وقد ساهم البرنامج في رفع مستوى الوعي لدى مستمعيه من خلال استضافة خبراء وتقديم تقارير ميدانية من المناطق المتضررة، مما دفع العديد من الهيئات المحلية إلى إطلاق حملات تنظيف الشواطئ وحماية الغابات في السنوات الأخيرة.
وفي المملكة العربية السعودية، شهد الإعلام البيئي نقلة نوعية مع إطلاق مبادرات ضخمة، أبرزها برنامج «السعودية الخضراء»، الذي يهدف إلى زراعة 10 مليارات شجرة بحلول عام 2030، وتقليل الانبعاثات الكربونية بنسبة 30 %. ويركز البرنامج الإعلامي الذي يبث على قناة الإخبارية السعودية ومنصات رقمية متخصصة مثل «منصة بيئتي» على تغطية مشاريع التشجير والطاقة المتجددة، وتوعية المجتمع بأهمية الحفاظ على البيئة.
وقد نجحت هذه الجهود في رفع معدل المشاركة المجتمعية في حملات التشجير والتنظيف بنسبة 25 % خلال العامين الأخيرين، وفقًا لبيانات المركز الوطني للرقابة على الالتزام البيئي.
وفي الختام أصبح الإعلام البيئي ضرورة أخلاقية، مجتمعية، واقتصادية في مواجهة تحديات الحفاظ على الأرض والمناخ.
ويتجاوز دوره التغطية الإخبارية ليشمل توضيح الأسباب واقتراح الحلول العملية، والتواصل بين العلماء وصناع القرار والجمهور. ومع تزايد آثار التغير المناخي، تتعاظم الحاجة لإعلاميين بيئيين يحافظون على الأمل بمستقبل أفضل.