أ.د.عثمان بن صالح العامر
مرّ بي وأنا اتنقل مساء البارحة بين مواقع التواصل الاجتماعي (اليوتيوب) مشاهد ومقاطع عدة، توقفت طويلاً عند مشهد استقبال (سارة الخنيزان) زوجها (حميدان التركي) في مطار الملك خالد الدولي بالرياض، بعد أن صبرت عن غيابه عنها، ومنع السلطة الأمريكية من زيارتها له طوال سنوات سجنه العشرين، كانت تنتظره بفارغ الصبر وهي كلها ثقة بالله بأنه سيعود يوماً ما، قالت فيه القصائد، وأوصت جميع من يصله صوتها بالدعاء له حين السجود وفي الأسحار، رفعت شكواها بعد الله عز وجل لولاة الأمر حفظهم الله، أقامت من أجل الدفاع عنه المحامين المبرزين ورجال القانون الأفذاذ، حفظت له ذريته بعد حفظ الله لهم، لم تغيرها الليالي، ولم يسلبها تعثر خروج زوجها من السجن مع تعدد المحاولات وكثرت المطالبات الشوق للقياه، وكان لها بعد العسر يسران، وما هي ألا لحظات ليمر بي مقطع آخر لرجل سمى نفسه (هدوء) يتصل بإحدى البرامج الإعلامية التي تعرض للمشكلات الاجتماعية، ليروي قصته المأساوية المؤلمة، فبعد زواجه بشهر تم تعين زوجته في مدينة غير التي يسكنها، فاضطر أن يفصل من وظيفته ليسافر مع زوجته ويستقر بهما المقام قريباً من مقر عملها، وشاء الله سبحانه وتعالى أن يقع لهذا الزوج الجديد حادث مروري فيفقد وعيه ستة أشهر. وبعد أن أذن الله الرحمن الرحيم له بالشفاء ومنّ عليه باسترجاع ذاكرته، تفاجأ أن زوجته قد تقدمت لمحكمة الأحوال الشخصية بعد شهرين فقط من وقوع الحادث طالبة خلعه بحجة فقده الذاكرة، وصعوبة عودته إلى ما كان عليه حاله من قبل، وبالفعل نالت هذه الزوجة ما أرادت، ولم تنتظر طويلاً بعد أن خلعت الزوج طريح السرير الابيض بل تزوجت فوراً بآخر، يقول صاحب القصة (فحزنت حزناً شديداً على ما حدث، وأنا الذي تركت وظيفتي ومدينتي من أجلها، ووجدت في هذا القناة الإعلامية متنفساً لبث شكواي بعد أن شكوت أمري لله، ويذكر في ختام مهاتفته أنه حتى هذه اللحظة لا يستطيع تصديق ما حدث وما زال يعيش مرحلة اكتئاب شديد، ليس لأنه ضحى بوظيفته من أجلها فالزرق من عند الله {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}، ولكن في هذه الأنانية التي تلبستها، ونكران الجميل من قبلها، وعدم الاكتراث بما سأشعر به بعد هذا السلوك المشين المؤلم من قبلها وهي زوجتى التي لم يمر على زواجنا أكثر من سبعة أشهر فقط.
قارنت لحظتها بين الحالتين، بين حال الزوجة الوفية التي ظهرت بكل حشمة وستر ووقار لتستقبل زوجها الغائب عنها، والمحرومة من رؤيته وجهاً لوجه عشرين عاماً من عمرها، حتى إنها ألمحت في مشهد آخر عن هذا الجرح الدفين بين حناياه حين كنت تنظر لأبي تركي وهي تقول: (أنت بالشاشة وإلا بالحقيقة) فهي الزوجة التي ألفت ألاّ ترى زوجها إلا عبر الشاشة متى سمح له سجانوه بذلك. وحال تلك المرأة التي لم تتحمل الانتظار ولو لأشهر معدودة لعل الله عز وجل أن يشفى من ضحى بوظيفته وانتقل من مدينته من أجلها، فقلت في نفسي سبحان الله (فرق الحريم)، دمتم بخير وإلى لقاء، والسلام.