د. إبراهيم بن جلال فضلون
إن النظام التجاري العالمي يشهد اليوم ما يمكن وصفه بـ«زلزال اقتصادي»، منذ عام 1909م، بتجاوز متوسط الرسوم المفروضة على الواردات من مختلف الدول حاجز 24 %، مع تفاوت النسب بين دولة وأخرى. وهو ما يُلقي بظلاله السلبية ليس فقط على الاقتصاد العالمي، بل أيضًا على الاقتصاد الأمريكي نفسه وقد ظهر عليه ذلك، بتأجيج نيران التضخم. فبعد موجة من التضخم استمرت لسنوات في أعقاب جائحة كوفيد-19، شهد التضخم في الولايات المتحدة انخفاض كبير، بسبب رفع أسعار السلع الاستهلاكية المستوردة.. التي ضربت الشعب الأمريكي في مقتل، وليست قلب التجارة العالمية فقط رأساً على عقب بطريقة غير مسبوقة، وكلنا رأى كيف اتسمت قرارات ترامب بالعديد من الإعلانات بشأن التعريفات الجمركية، والعديد من التراجعات أيضاً، حيثُ أثار القرار بفرض رسوم جمركية «مضادة» مخاوف من تداعيات جسيمة على الاقتصاد الدولي والتجارة العالمية في إطار الوفاء بوعده الانتخابي «العين بالعين»، لأسباب تحت ذرائع الأمن القومي، أو التجارة غير العادلة، أو بموجب صلاحيات اقتصادية طارئة.. لينتقد ترامب الانتقادات المتزايدة التي انهالت على البيت الأبيض: «كانوا يصرخون، كانوا يصرخون قليلًا، ويشعرون بقليل من الخوف».. مُصراً أن «سياساتي لن تتغير أبدًا».
إن العالم يكابد الأخضر الأمريكي، ويكافح نهمهُ في السيطرة الاقتصادية، ولذلك القطبين الكبيرين روسيا والصين عملاً على ضرب الدولار في مقتل من خلال استخدام العملات الوطنية في التجارة والمدفوعات، حيثُ ارتفعت مساهمة مجموعة «بريكس» والتي بدأت في الأصل من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، ثم انضمت إليها دول عربية وآسيوية أخرى في الاقتصاد العالمي إلى مستوى قياسي عند 36.8 % في عام2024، وفقاً لدراسة أجرتها وكالة «نوفوستي» استناداً إلى بيانات صندوق النقد الدولي. وقد أيدت دول مجموعة «بريكس» من وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية بتطوير آليات للمدفوعات بالعملات المحلية وأهمية التوسع في استخدامها في المعاملات التجارية والمالية بين دول بريكس وشركائها التجاريين. واستذكروا البند 66 من إعلان قازان روسيا، ومناقشاتها حول إنشاء عملة مدعومة بالذهب، تُعرف باسم «الوحدة»، كبديل للدولار الأمريكي الذي يُمثل حوالي 90 % من إجمالي تداول العملات حتى وقت قريب، كان ما يقرب من 100 % من تداولات النفط تُجرى بالدولار الأمريكي؛ ومع ذلك، تشير التقارير إلى أنه في عام 2023، ستُجرى خُمس تداولات النفط باستخدام عملات غير الدولار الأمريكي.
إن دول البريكس أعلنت مؤخرًا عن خططها لنظام دفع قائم على تقنية بلوكتشين كعملة جديدة تنافس الدولار الأمريكي، معتمدة على التركيز في إصلاحات المؤسسات المالية الدولية على زيادة حجم التمويل وتسهيل الوصول إلى الموارد، خاصة للدول النامية والأقل نموا، وهو ما تم تأكيده على الدور الرئيس لمجموعة العشرين كـ»المنتدى الأساسي للتعاون الاقتصادي الدولي الذي يضم اقتصادات نامية ومتقدمة، تعمل على تعزيز التعاون الدولي في قطاع المعادن الحرجة، بما في ذلك السياسات الصناعية ونقل التكنولوجيا وتبادل الخبرات، لضمان أن تساهم هذه الموارد في تنمية عادلة ومنصفة، خاصة للدول المنتجة لهذه الموارد، وهو ما سيُتيح العملة المحتملة لهذه الدول تأكيد استقلالها الاقتصادي مع التنافس مع النظام المالي الدولي القائم، مما يفتح الطريق إلى عالم متعدد الأقطاب.
ولعل عودة دونالد ترامب ألهبت الأسواق بالتعريفات الجمركية التي وقفت لها الصين وروسيا وأكثر الدول بالمرصاد، حيث بدت سياسات ترامب «أمريكا أولاً» إلى ارتفاع قيمة الدولار مقارنةً بنظرائه العالميين، كما ظهر جليًا في اليوم التالي لفوزه في الانتخابات في 5 نوفمبر، حيث انخفضت قيمة اليوان الصيني، والروبل الروسي، والريال البرازيلي، والروبية الهندية، والراند الجنوب إفريقي قد يدفع هذا بدوره دول البريكس إلى البحث عن مسارات جديدة للتخلي عن الدولار الأمريكي أو ما يُعرف بـ «نزع الدولرة» كسلاح لردع «تسليح» الدولار الأمريكي من خلال تطوير أنظمة بديلة لاستخدام العملات المحلية في المعاملات المالية بين دول البريكس ومع شركائها التجاريين، وهذا بدوره سيكون له تداعيات على الولايات المتحدة والاقتصادات العالمية.
وأخيراً: لا ننسى هنا القوة العربية الخليجية بقيادة المملكة التي وصل إجمالي التجارة ما بينها والولايات المتحدة الأمريكية في عام 2024 إلى 140 مليار دولار تمثل الصادرات الأمريكية 80 مليار دولار والواردات إليها كان 61 مليار دولار، رغم أن تأثير هذه الرسوم على الاقتصاد السعودي غير مباشر، إلا أن هذا لا يقلل من أهميته، خاصة أن الصين والولايات المتحدة يعدان من أهم الشركاء الاقتصاديين للمملكة. ليمتد تأثير ذلك إلى قطاع البتروكيميائيات، حيث إن الصين تمثل سوقاً رئيسة للمنتجات البتروكيميائية السعودية، مما قد ينعكس سلباً على أرباح الشركات السعودية في هذا القطاع، كما تعتبر المملكة استقرار لأسعار النفط كأولوية استراتيجية حيوية، كونها أحد الأعضاء الرئيسين في أوبك وأحد المؤثرين على أسواق النفط العالمية، مما يؤثر على استهلاك النفط والطلب عليه. لذلك، تسعى المملكة إلى إعادة تقييم استراتيجياتها الإنتاجية لضمان استقرار السوق النفطي العالمي وتعزيز دورها في الحفاظ على توازن العرض والطلب، بما يتماشى مع رؤيتها المستقبلية لدعم استقرار الاقتصادين الوطني والدولي وهو ما نجحنا فيه بحكمة القادة وحكومتنا الرشيدة.