د.محمد بن عبدالرحمن البشر
تم اللقاء المرتقب بين الرئيس الأمريكي ترامب والرئيس الروسي بوتين، وكان لقاء كما شاهد الجميع دافئاً، ينبئ عن بداية تجاوز بعض العقبات الشائكة والتي استمرت لعدة سنوات، ولا شك إن روسيا قد ارتكبت عدة اخطاء أثناء وجود الاتحاد السوفيتي، سياسية واقتصادية، وقد استغل الغرب العريق في السياسة، والمهيمن على العالم لمئات السنين تلك الأخطاء لصالحه، وبدأ في رسم سياسة لم يدرك آثارها الاتحاد السوفيتي، فبعد وفاة الرئيس السوفيتي برجنيف أصبحت الساحة مهيأة إلى صراع داخلي، وصل بموجبه جورباتشوف إلى الحكم، وقد شجعه الغرب على إحداث تحولات كبرى في السياسة والاقتصاد، فبدأ بهما جميعاً عكس الصين التي بدأت بالاقتصاد أولا وفتح الأسواق مع بقاء النظام السياسي المنضبط على ما هو عليه، مع محاولة الغرب تغيير النمط السياسي في الصين منذ بداية الانفتاح، بينما الاتحاد السوفيتي وقع في الفخ المرسوم، فحدثت أحداث أدت إلى تفككه، دون ترتيب مسبق للحدود، وكذلك اكتفى بوعود الغرب الشفهية بعدم تقدم الغرب شرقاً، لكن الناتو أصبح على مشارف روسيا مما أثار حفيظة الرئيس الحالي بوتين.
حدث ما حدث وأدرك الروس الحقيقة وحاول الرئيس بوتين تصحيح ما أخطأ فيه من سبقه، فضم جزيرة القرم عام ألفين وأربعة عشر، ثم قامت الثورة البرتقالية، ووصل إلى الحكم في أوكرانيا حكومة قومية مناوئة لروسيا، برعاية غربية، وأخذت روسيا تتململ من الخطوات العملية التي تتخذها الحكومة الأوكرانية إلى أن وصلت إلى التدخل العسكري القائم حتى الآن، والتي فشلت روسيا في بدايته، ثم أخذت زمام الأمر فيما بعد، بعد تغيرات عسكرية وتقنيه رغم المقاطعة والضغوط الاقتصادية التي استطاع الصمود أمامها حتى الآن.
عندما وصل ترامب للحكم لم يكن راضياً عن قيام الحرب الأوكرانية - الروسية، وكذلك الأسباب التي أدت إليها، لكنه واقع صعب يجب التعامل معه بسبب العلاقات الاستراتيجية القوية والمتينة والمتأصلة بين أعضاء حلف الناتو، والعلاقات الثنائية المميزة بين الولايات المتحدة وأوروبا، ولهذا كان يهدد بفرض عقوبات أكثر على روسيا، وفي الوقت ذاته قيد بيع السلاح إلى أوكرانيا، ثم ألزم أوروبا بدفع ما قد يسمح ببيعه إلى أوكرانيا، وهو يعلم أن أوروبا لا تستطيع سد الفجوة في التسلح في حال توقفت أمريكا عن تزويد أوكرانيا بالسلاح، وأيضاً لا يريد أن يعطي أي إشارة إلى السماح بالتوسع الروسي، ومن باب المناكفة السياسية كانت أوروبا تطالب روسيا بوقف القتال والتفاوض، بينما تصر روسيا على الاتفاق قبل التوقف عن القتال، وفي ظل هذه المعطيات قرر ترامب لقاء بوتين وهو ما حدث فعلاً والذي يعد كسراً للحواجز التي تحول دون فهم أهداف الطرف الثاني.
تم اللقاء الذي أعطاه ترامب عشرة من عشرة، وأكد لأوروبا استعداد أمريكا لإعطاء ضمانات لأوكرانية في حال التوصل إلى اتفاق مع تبادل الأراضي، لكن أوكرانيا وأوروبا انتابهما القلق رغم التواصل الهاتفي من الطائرة مع الرئيس الأوكراني، وطلبوا لقاء تم بعد يومين من لقاء بوتين، وخوفاً من هفوات الرئيس الأوكراني طلبت أوروبا المشاركة عن بعد، وقد قام ستة رؤساء دول أوروبية وأيضا أمين عام الناتو بمرافقة الرئيس الأوكراني إلى البيت الأبيض، وظهر الكثير من هذا التحرك المهم والمثير بينما بقي الكثير مما لم يتم البوح به.