عبدالمحسن بن علي المطلق
لـيُعلم أن الإبداع.. ومن لزوم ما يلزم له - على النحو الذي قرّب له المعري ..- ، أقول :
ما يلزم لوصول شاطئه ، بل في
إن لم يكن زاوية الحجر فيه ، ليقدّر (حق التقدير ) همُ أهله ، ولهم تبيع همُ من أُعطي أبعادا في استيعاب الدلالة .
مثال .. ليتـضح المقال ، خذ لـ «ابن زيدون» :
ودَّعَ الصَبرَ مُحِبٌّ وَدَّعَك
ذائِعٌ مِن سِرِّهِ ما اِستَودَعَك
يَقرَعُ السِنَّ عَلى أَن لَم يَكُن
زادَ في تِلكَ الخطى إِذ شَيَّعَك
أي كم ندم على أنه لم يمض معك خطى زيادة ليحظى بك وهو يودّعك/ أكثر
ومعنى «يقرع السن» في سياق الندم هو «يندم» أو «يصك أسنانه ندمًا
هنا نسوق من اللطائف قول بعض أهل الحكمة :لا تبصم لأحد بالعشر ، بل استبق اصبعا كي تعضّه حال الندم (.. إن لم يكن من بصمة له أهلٌ في ما أوكلت به )، المهم/
أن (شرح) هذا هو مُشاهد، بالذات لمن يسافر للعلاج.. وإلا فكثرة سفريات عصرنا أذهبت تلك الميزة، و ذووه قد ذهبوا معه ليس فقط للمطار، بل يبالغون ..في تتبّع خطاه، ما لا يردّهم عن المتابعة إلا حاجز لا يجتازه إلا المسافر، وكان في المطارات يومئذ (شُـرفة) يُشاهد منها من يلوّح للآخر المسافر وممن قدم من أهله لتوديعه..!
وبنفس هذا النفس.. ما نجده عند الشاعر المولّد «مهيار الدلمي»:
قد وقفنا قبلكم .. في ربعكم
فنقضناه استلاما والتزاما
ويقصد ب(الإستلام) كما يستلم الطائف الحجر الأسود ، ف(الملتزم)مكان بين الحجر الأسود و باب الكعبة وطوله أربعة أذرع
وكلمة ليست على الهامش أبدا/
جاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: «الملتزم ما بين الركن والباب». وهو موضع إجابة الدعاء ويسن به الدعاء مع إلصاق الخدين والصدر والذراعين والكفين، وكان ابن عباس يفعله ويقول: «لا يلتزم ما بينهما أحد يسأل الله شيئاً إلا أعطاه الله إياه» ا. هـً
الى أن يقول( مهيار):
وترجَّلْ فتحدَّثْ عَجَبا
أن قلباً سار عن جسمٍ أقاما
قلْ لجيران الغضا آهِ على
طيب عيش بالغضا لو كان داما
نصِل العامَ وما ننساكُمُ
وقُصَارَى الوجد أن نسلَخَ عاما
حمِّلوا ريحَ الصَّبا نشرَكُمُ
قبلَ أن تحمِل شيحاً وثُماما
وابعثوا أشباحَكم لي في الكرى
إن أذِنتم لجفوني أن تناما
إبداع أخذ منّي يوم كانت (أبحاثي في أوجّـها) في سعي دؤوب من لدنّـي لأعثر بين ركام العطاء الأدبي الغزير و الشعر منن بخاصة ما يمكن أن يبلغ الذّروة مما ألممت منه، ثم مُـتخذا منه {شواهد} لإدراجه في دائرة تذوّقي للشعر..
فذاك سلفا، و عصريّـا خذوا هذه /
سل الدرب كم جئت غبّ النوى
أجر الخُطى في الغروب الحزين
وحولي من (الذكريات) الخوالي
طيوف تثير لهيب الحنين
أخاف تكرّ عليها الليالي
وتُدفن تحت ركام السنين»
نعم، كلنا نخاف ليس من مضيّ السنين فحركة الحياة لا تتوقّف، لكنّ الخوف أن يطوى ذاك الغالي النفيس مما قطفناه من ثمر تلك السنين!، وهنا ندّارك مرام ذاك التأوّه، ألا كم من معنى تحمل هذه الأبيات؟، بل إني لأظنك تتحسس أدمعا وأنت تترنّـمها، لما تحمل في خباياها من دلالات، فكرّ عليها مترنّما ومُرددا، فرحم الله الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان؟ -الراحلة 2003 م-
وعلام نُبعد!، ففي الأمس القريب إنشاء «جاسم الصحيح».. لصاحبٍ فقده/
عُدْ للذين -غداةَ فاجأَكَ الردى-
حملوكَ في نعشٍ من الأعصابِ
وحَثَوْا عليكَ صوابَهُمْ، وتفَرَّقوا
في قارعات الحزن دون صوابِ
وعلامَ غادرتَ المحطَّةَ باكرًا
وخُطاكَ لم تبرحْ على الأعتابِ؟!
أتُرى قطار الغيب كان مُمَوَّهًا
فرَكِبْتَهُ خَطَأً مع الرُّكَّابِ؟!
يا الله على البيت الأخير (.. ركبته خطأ..) كنايته غزيرة أن ليس من مقدمات تخفف وقع ما جالك ..فأودى بك للمـنيّـة ، والبيت الأوّل عقد عليه بالبيت الأخير
ثـم.. إن ما مضى إن هو إلا اطلالة عما يقال عنه (بيت القصيد) ، فتلكم طرف تقريب ، على رويّ ما يقول به من يُريد يخبرك بخبر هو ليس متأكّد منه «..ترا طرف علم»..!
فقد تجد قصيدة طويلة ، لكن وإن حملت جمالا ، إلا أنه لا يعلقك منها إلا أبيات وأحيانا لا تزيد عن بيت أو بيتين .. هما موضع إبداع صاحب القصيدة ، والباقي متممات لها ..
نعم لا نظلم ف..فيهنّ لمسات ، لكنها لا تبلغ ما وسم ب( بيت القصيد) المراد ، وهو الذي نـدّ عن أخواته فحلّق عاليا ، وحسبه أنك إما حفظته في ملكاتك ، أو سعيت لذلك..