د. ناهد باشطح
فاصلة:
«ليس أصدق من حديث النفس إذا وجد لها من يصغي».
- طه حسين -
«مَن أخبره بمشاكلي؟ من يمكنني الوثوق به؟»
من منا لم يسأل نفسه هذه الأسئلة سواء وهو يبحث عمن يشكو له ألمه، أو بعد خيبة أمل إصابته بعد بوح لم يجد له من يحتويه.
هي ذاتها الأسئلة التي قدمتها مقالة نشرها Kentucky Counseling Center ليؤكد أهمية الحوار عن مشاكلنا وفائدته لصحتنا النفسية، فالتحدث عن ضغوط الحياة مثل العمل أو العلاقات أو التوتر اليومي يُقلل الشعور بالوحدة والتعب العاطفي، والاحتفاظ بالمشاعر قد يؤدي إلى أعراض نفسية مثل الاكتئاب، بينما الإفصاح يساعد على تخفيف حمل الهموم.
وهذا يفسر ارتياحنا بعد أن نشارك الآخرين الأوفياء مشاكلنا وهمومنا، فالمشاركة الاجتماعية للمشاعر مفهوم في علم النفس الاجتماعي يشير إلى ميل الأشخاص إلى التعبير عن مشاعرهم (خاصة القوية منها مثل الفرح، الحزن، الغضب، الخوف) من خلال مشاركتها مع الآخرين، سواء عبر الكلام أو السلوك.
والتسمية العاطفية (Affect Labeling) التي تحول المشاعر إلى كلمات تساهم في تهدئة نشاط اللوزة الدماغية المرتبطة بالخوف والغضب، مما يساعد على تنظيم التوتر والقلق.
لكن «الفضفضة» باللغة العامية أو الإفصاح قد يكون سلاحًا ذا حدين: إما يساعدنا على التحرر والشعور بالراحة، أو يجعلنا نندم إذا شاركنا مع الشخص الخطأ.
لذلك سنتحدث عن كيفية اختيار الشخص المناسب الذي يجب أن يكون لديه الرحمة والقدرة على التعاطف والحزم، فهي صفات تجعلنا نختار صاحبها لنفصح عن أسرارنا له مثلما كشفت دراسة Slepian الجزيرة Kirby (2018) في جامعة كولومبيا التي أشارت إلى أن الناس يفضلون الإفصاح عن أسرارهم لمن يُظهرون تعاطفًا وقدرة على المبادرة والدعم، أكثر من أولئك الذين يتصفون فقط باللباقة أو الحماس الاجتماعي.
وقد اعتمدت الدراسة على خمس تجارب باستخدام تقييمات ذاتية وتقارير من الأقران، بهدف تحديد السمات الشخصية التي تجعل الشخص موثوقًا لفصح الأسرار عنه.
وأبرزت الدراسة فارقًا مهمًا بين التعاطف الذي يتضمن الرغبة في المساعدة والقدرة عليها وبين اللباقة التي تركز على القواعد الاجتماعية دون تقديم الدعم.
لكننا أحياناً نخطئ فنخبر من لا يستحق أسرارنا، نفعل ذلك لأننا نبحث عن الراحة السريعة أكثر من الأمان الطويل الأمد.
لذلك وسط همومنا وأحزاننا علينا أن نفكر قليلاً بخطوة البوح للشخص، سأعطيك تمريناً بسيطاً، يقيك الندم الذي يمكن أن يصيبك إذا تسرعت واخترت للبوح الشخص الخطأ.
عليك أن تتذكر أسماء ثلاثة أشخاص كنت قد بحت لهم من قبل، ثم قيّم كل شخص عبر هذه الأسئلة.
- هل حافظ على سريتي؟
- هل يتعامل مع مشاعري بتعاطف لا بحكم أو نقد؟
- هل لا يملك مصلحة مباشرة في المشكلة (محايد)؟
- هل يملك نضجًا أو حكمة تساعدني على ترتيب أفكاري؟
- هل هو متوازن عاطفيًا ولا ينقل لي قلقه؟
- هل أشعر بالأمان معه بعد انتهاء الحديث؟
الكتابة والتفكير سيجعلانك تختار الشخص المناسب للبوح، ذلك أن الإفصاح عن همومنا ليست رفاهية، بل وسيلة طبيعية للحفاظ على التوازن الداخلي.
المصادر
-Slepian, M. L., الجزيرة Kirby, J. N. (2018). To whom do we confide our secrets? Personality and Social Psychology Bulletin, 44(7), 1008-1023. https://doi.org/10.1177/0146167218756032.
- Kentucky Counseling Center. (2021, June 21; updated 2025, June 21). Who Do I Tell My Problems To? Who Can I Trust? Retrieved from Kentucky Counseling Center blog.