رمضان جريدي العنزي
العقل والوعي نعمتان عظيمتان من الله جل في علاه، ولكي نفهم الحياة بطريقة واعية ومسؤولة علينا تفعيلهما لتكييف التصور والتحليل والاستنباط وإقرار المنطق وعدم التصديق الأعمى لكل حكاية أو رواية أو موقف أو خبر، ولكي نميز الحق من الباطل، والحقيقة من الخرافة، والصدق من الدجل، والوضوح من العتمة، أن العقل يزدهر بالتعلم، والوعي ينمو بالمعرفة، وإذا كسل العقل وانعدم الوعي، حضر التبلد، وتجمد الفكر، وعاشت الأسطورة والخزعبلة والخرافة، ونما الجهل والأكذوبة، واضمحلت الحقيقة، وتلاشى الوضوح، إن في غياب الوعي، وتجميد العقل، تنتشر السطحية والتفاهة في السلوكيات والطرح والمحتوى والظهور الإعلامي، بعيدا عن العمق والمعنى، يعد أسلوبا غير واقعي، يبرز ثقافة السخافة والركاكة بدلاً من الأصالة والمبادئ والقيم، ويؤدي لتآكل الثقافة الحقيقية لصالح ثقافة سطحية تافهة، لا معنى لها ولا هدف، ويجعل المتلقي مستهلكاً سلبياً بدلاً من أن يكون مشاركاً نافعاً، إن استعادة الطرح العقلاني الراقي يتطلب جهداً مرموقاً، بحيث يصبح العقل والقلب هما المحركان الأساسيان للسلوك والطرح والإبداع، بعيداً عن ظاهرة انتشار المحتوى السطحي والمبتذل وسيطرة التافهين على المشهد، إن هذه الظاهرة الثقافة السلبية تتطلب منا جميعاً مواجهة جادة من خلال تعزيز دور العقل والمعرفة، والعمل على بناء مجتمع واع، قادر على التمييز بين الهادف والتافه، إننا نعيش انفتاحاً غير مسبوق في التكنولوجيا ووسائل التواصل التي تمكن منها وعلا عليها الغبار والرماد والضجيج، على حساب القيم والثوابت والمعرفة، حتى بات الابتذال والتهكم والسخرية وكسر قواعد الأخلاق تجارة رابحة، وسوقاً رائجاً للباحثين عن المال بأي طريقة وأسلوب وكيفية، حتى وإن خالف المحظور والممنوع والخطوط الحمراء كلها، إن ترويج التفاهة والسخرية و(الخبال) أصبح يكافأ بالتفاعل والمتابعة والدعم، بعيداً عن النقد والردع، لقد أصبحت الثقافة الحقة والذوق العام مع هذه الأطروحات والمحتويات التافهة والزائفة في خطر، تسرق الوقت، وتهمش الاجتهاد، وتزرع في العقول وهماً كبيراً وفراغاً قاتلاً، إن على المدرسة والمعهد والجامعة والجامع والمؤسسات الإعلامية بكافة أشكالها تحمل الدور بمسؤولية جسيمة في بناء جدار صلد ومتين يحمي المجتمع بكل شرائحه من هذا الغزو الثقافي المدمر والمريب، إن الحاصل الآن في وسائل التواصل ليس مجرد محتوى هابط وجنوعالٍ، بل أزمة قيم ومبادئ وأخلاق، تدمر العقول والقلوب وتبهت الأرواح، لقد أصبح التدمير في وسائل التواصل أشد وأعتى من تدمير السلاح التقليدي، لأن محتوياته وأطروحاته السقيمة التافهة تنتشر سريعاً كانتشار النار في الهشيم، تغيب العقل، وتقزم القيم، وتطوح بالوعي، إن المعركة اليوم معركة وعي جميل، وكلمة طيبة، ومحتوى راق، وإرشاد أنيق، وترسيخ المعارف المفيدة، والعلوم المباركة، نجابه به ثقافة التفاهة الهابطة ومحتويات المسخرة الكثيفة.