د. عيسى محمد العميري
تثبت الكويت يوماً بعد يوم رؤيتها بعيدة المدى وثاقبة الرؤية للمستقبل البعيد. وموضوع مقالنا اليوم هو من نوع خاص يقدم لنا تجربة استثمار سيادية كويتية غير مسبوقة على هذا الصعيد وذلك قبل خمسة عقود، حيث خطت خطوة غير اعتيادية كما أسلفنا حيث قامت بتاريخ 3/12/1974م بشراء 14 % من أسهم شركة من أعرق الشركات وأشهرها وتتمتع باستدامة أعمال اقتصادية متينة وهي شركة مرسيدس وبي إم دبليو، حيث كانتا مجموعة واحدة آنذاك قبل انفصالهما بسبب التركيز على نشاط كل شركة على حدة.
كان شراء الأسهم في مرسيدس خطوة رائدة على طريق الاستثمار الصائب والمستدام وكانت خطوة تسبق عصرها في هذا المجال الذي بدأ الاهتمام به من قبل باقي الدول في النظرة الاقتصادية بدأ فيما بعد ويمكننا أن نقول جاء متأخراً نوعاً ما. فعلى صعيد البحث عن فرص الاستثمار في العالم تبدو مهمة جداً في مجال تحسين أداء الاستثمار السيادي للدول، وتعزيزاً للأرضية الاقتصادية المستدامة لها إذا ما أرادت اقتصاداً متيناً على المدى البعيد.
ونحن هنا في هذا الصدد يتوجب علينا أن نقف وقفة تقدير لهذه الخطوة من قبل القيادة الاقتصادية آنذاك في العام 1974 وذلك في ريادة الراحل سمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، طيب الله ثراه. فهو من كان المبادر لهذه الخطوة الرائدة عندما كان رئيساً للحكومة آنذاك. والطريف في الأمر إبقاء هذا الأمر دون إعلان بهدف إتمام الصفقة للنهاية بعيداً عن أمور قد تؤثر على الصفقة؛ نظراً لأهميتها وحساسيتها الاقتصادية الكبيرة كون دخول دولة الكويت في شركة بالغة الأهمية لألمانيا على اعتبار أن الشركة تعد من الإرث التاريخي والوطني والاقتصادي لها.
على أية حال تمت تلك الصفقة وأصبحت دولة الكويت شريكاً استراتيجياً مهماً في هذه المنشأة. ومن ناحية أخرى نجد أن هذه الصفقة دخلت بطبيعة الحال ضمن رؤية الصندوق السيادي لدولة الكويت الذي لم يكن قد تم إنشاؤه بعد. ولكنها أسست لمرحلة اقتصادية سيادية واستثمارية مستقبلية مهمة في تاريخ الاقتصاد الكويتي. كل التقدير والاحترام لكل من قام بهذه الخطوة الرائدة. التي تعد تجربة سيادية غير مسبوقة على الصعيد العالمي وليس المحلي أو الإقليمي. هذا بالإضافة إلى أن هذه الخطوة تعطي الحافز لإبداء المزيد من التجارب والخوض فيها بطريقة مدروسة في القادم من المستقبل. والله الموفق.