العقيد م. محمد بن فراج الشهري
لم يعد في قطاع غزة أي شيء يشير إلى الحياة، والمشاهد التي تنقل من غزة توضح ذلك، لا يوجد شيء على الأرض سوى الدمار، القتل، التشريد، الجوع، العطش، قتل الإعلاميين والصحفيين، تهجير قسري كل يوم إلى مكان مختلف، منع وسائل الإغاثة، منع دخول المساعدات، تدمير ما بقي من مبانٍ في كافة نواحي غزة، الجثث بالمئات تحت الأنقاض وبالآلاف أمام منصات المساعدات، هناك من قتلوهم وهم يحملون الخبز بأيديهم، وهناك من قتلوهم ساعون لأخذ المعونة، ومناظر مرعبة أمام تقديم المساعدات، كأنك تشاهد ذلك في غابة تطارد فيها الوحوش العصافير والطيور، لتقضي على نسلها من الغابة، ربما العصر الحجري كان أرحم؟
الكارثة الكبرى، أن دول العالم كلها، ومجلس الأمن، وهيئة الأمم، لم تستطع إيقاف هذا الجنون الصهيوني الذي ترعاه وتسانده وتعطيه كل الأضواء (أمريكا) فهي الراعية الكبرى لكل هذه المصائب التي تحدث في غزة، ونتيجة لذلك رأينا (النتن) يظهر ويتحدث، ويقول إننا في طريقنا إلى (إسرائيل الكبرى) وهذه الحكاية هي نتيجة للغطرسة التي يتمتع بها في ظل الدعم الأمريكي اللامتناهي، كما أن هذا التفكير ليس وليد الصدفة بل مخطط له منذ أعوام، وكذلك ما بعد أوسلو وبعد وادي عربة، وبعد كل الاتفاقيات والقرارات الأممية التي أصدرت في الشأن الفلسطيني وحتى العربي، أما إسرائيل الكبرى فهذا النهج والتفكير يدَّرس في المناهج الإسرائيلية وأعاد ذكراه (النتن) وذلك في مقابلة أجرتها معه (القناة - 24 - الإسرائيلية) وأجراها معه مذيع متطرف يهودي من أصل يمني وحتى قام بإهدائه (مدّية ، خنجر) عليها خارطة إسرائيل الكبرى.
وكان ياسر عرفات قبل وفاته قد عرض عملة إسرائيلية مكتوب عليها (إسرائيل الكبرى) وهذا التفكير الأحمق الصهيوني هدف مقصود منذ زمن، وليس من الآن في ظل التراخي العربي، والخضوع الدولي، وأنا أتفق مع ما ذكره الدكتور جاسر الحربش في جريدة الجزيرة يوم السبت 15 أغسطس 2025م، بعنوان (ثم أصبحت الحيَّة الصغرى كوبرا) حيث قال في مقدمته: قبل أيام ظهر رئيس الوزراء العدو بنيامين نتنياهو فيما يشبه رميه الوداع لقومه، يوصيهم باستيعاب المشروع الصهيوني التوراتي، الذي نذر نفسه له وقبل ذلك والده وأخوه، وكل المخلصين للفكر الصهيوني الواسع الكبير، وأضاف الحربش يقول: التوقيت شديد الأهمية لاستيعاب وصية نتنياهو وما أراد أن يقول لقومه: «أعداؤنا العرب في أضعف حالات التضامن منذ أن هاجمناهم في ديارهم.. الجيش الإسرائيلي حالياً في قمة نشاطه ونجاحاته العسكرية.. العالم بدأ يشكك في تظلماتنا القديمة ويعيد النظر في أهدافنا.. هذه هي فرصتكم الأخيرة يا بني إسرائيل لتحقيق الحلم التوراتي الكبير».
ويستطرد الكاتب فيقول: المهم لنا كعرب من وصية نتنياهو لقومه، هو ليس ما يعتقده المتساهلون والمخذولون والمخدَّرون في مجتمعاتنا العربية، المهم هو فهم أبعاد التطبيق الفعلي لما يجري في غزة، والضفة الغربية، وسوريا، ولبنان، واستنتاج المعاني من وصية نتنياهو لقومه حول اقتراب تحقيق الحلم التوراتي من الفرات إلى النيل، بما يشمل نصف مصر، و90 % من سوريا، وكامل الأردن، ولبنان، والكويت، ونصف العراق، وجنوب تركيا، ونصف المملكة العربية السعودية. لكن أمام الفعل تسقط مرجعية القوم.
هذا بعض ما ذكره الدكتور الحربش في مقاله، واستشهد ببعض الوقائع، التي حدثت في الآونة الأخيرة، وفي غزة بالذات، وأتفق مع الكاتب في كثير مما طرحه.. إسرائيل تخطط لأوسع من حجمها في ظل التطرف، والغرور، والغطرسة، وتخاذل المجتمع الدولي عن كل ما تفكر فيه، والتصريحات التي أدلى بها (النتن) حول إسرائيل الكبرى كانت محل استهجان من العالم الإسلامي والعربي، وقد دانت المملكة العربية السعودية بشدة هذه التصريحات غير المسئولة من إنسان كرَّس جهده لحرق كل ما هو حي في غزة، وكافة أنحاء فلسطين.
وهو مجرم تتكامل فيه كل صفات الإجرام الدولية، وأدين هو ومرتزقته بما اقترفوه في حق أهالي غزة من قتل وتدمير وتهجير وقتل الصحفيين والمواطنين العزل، الذين ليس لهم ذنب إلا أنهم من سكان غزة، وهو بهذه التصريحات يهرب إلى الأمام، لأنه يعلم أنه عند سقوطه من حكومة الأشرار، سيلاقي أعماله أمامه، ويواجه العالم على المكشوف، فهو يحاول إيجاد وسائل تبقيه، تحت رعاية ووصاية من الداعمين له ولحكومته.
أما غزة فقد تحولت إلى مدينة أشباح لا يوجد فيها غير رائحة الموت والدمار.. نسأل المولى أن يلطف بمن بقي فيها.
وقد بدأت الآلة الإسرائيلية في اقتحام غزة من جديد لتقتل من بقي فيها يمشي على أرجله، وكذلك تهدم ما بقي، وكذلك تقوم بطرد كل من يسير فيها إلى أين؟ لا أدري ربما للفضاء أو البحر... اجتياح غزة عار على المجتمع الدولي، ولا تكفي الإدانات إطلاقاً بل يجب استبعادها من قاموس الأمم المتحدة، لابد من عمل ما لإيقاف هذا الإجرام.. كل ما تقوم به إسرائيل الآن هو جرائم حرب وإبادة واضحة لا لبس فيها، ولا يوجد أي قانون يبرر ما تقوم به وما تفعله، فهل تستيقظ الأمم المتحدة ومجلس الأمن؟! أم أن الفيتو سيكون بانتظار ما تراه وما تقرره؟!.