عايض بن خالد المطيري
حين يمر أمامنا اسم «لندن»، يلمع في الأذهان مشهد الضباب على ضفاف التايمز، والحدائق الخضراء، وناطحات التاريخ التي تطل من بين شوارعها. صورة حضارية راسخة حتى أننا - وربما بلا وعي - نجد أنفسنا نحسد من يقول «أنا مسافر إلى لندن»، على ما ينتظره من حظ سعيد.
لكن خلف هذه الصورة المصقولة، ثمة واقع آخر لا يظهر في كتيبات السياحة ولا في إعلانات السفر واقع النشالين، والعصابات المنظمة، وجرائم الاعتداء على السياح في واحدة من أرقى العواصم في العالم.
وسائل الإعلام البريطانية والعالمية لم تعد تتجاهل هذه الظاهرة. تقارير وتحذيرات رسمية تدعو الزائرين لتجنب ارتداء الحلي الثمينة، أو إظهار الهواتف الباهظة، أو حتى السير في أماكن معينة بعد حلول المساء. مشهد يبدو صادمًا حين نقارنه بالصورة اللامعة التي تُروّج عن «بريطانيا العظمى»، لكنه واقع يتكرر حتى غدا السائح يستعد له بجدية توازي تجهيز حقائبه.
وعلى الضفة الأخرى من الخريطة، هناك «السعودية العظمى» قولًا وفعلاً. ملايين الحجاج والمعتمرين والزوار يتدفقون على أرضها طوال العام وفي مواسم الحج، ومع ذلك لم نسمع -عبر عقود طويلة- عن تحذيرات دولية تطالب الحجاج بإخفاء مجوهراتهم أو الامتناع عن التجوال في أوقات معينة. لا رسائل استنفار على مواقع السفارات، ولا حملات تنبيه للسائح بأن «يحذر من النشل» أو «يتجنب هذا الحيّ أو ذاك». على العكس تمامًا، ما يسمعه الزائر هو الثناء على الأمن، وحسن التنظيم، وسلاسة التجربة من لحظة وصوله وحتى مغادرته.
هذا لا يعني أن بلادنا مثالية بلا حوادث، فالأمن مسؤولية يومية وليست منحة أبدية، لكن الفارق أن منظومة الأمن في السعودية -خاصة في مواسم الحج والعمرة- واليوم في الجانب السياحي، تتعامل معه كمشروع وطني متكامل، يجمع بين التخطيط المسبق، والحضور الأمني الذكي، والتقنيات الحديثة، والأهم الثقافة العامة التي يتحلى بها كل سعودي في احترام الضيف وحمايته وإكرامه.
وهنا تبرز الفرصة الذهبية لماذا لا نستثمر هذا التميز الأمني كجزء أساسي من هويتنا السياحية؟ فكما تسوّق دول أخرى لشواطئها أو آثارها، يمكن أن تسوّق السعودية لنفسها كوجهة آمنة عالميًا، خصوصًا في زمن أصبح فيه الأمان عملة نادرة حتى في أكثر العواصم تطورًا. هذا الاستثمار لا يحتاج إلى حملات إعلانية فقط، بل إلى استمرار الرقي بالمنظومة الأمنية، وتطوير البنية التحتية، وإشراك المجتمع في الحفاظ على هذه السمعة وتنميتها وإبرازها.
فالسفر تجربة إنسانية متكاملة؛ السائح قد لا ينسى جمال المناظر، لكنه بالتأكيد لن يغفر لحظة خوف عاشها في بلد ما. وربما حان الوقت لأن نرفع رؤوسنا بثقة، وندرك أن ما نملكه اليوم في السعودية من أمان ليس أمرًا عاديًا.. بل هو ميزة ومكسب وطني يستحق أن نحتفي به، ونحافظ عليه، ونقدمه للعالم بفخر.