د. جمال بن حسن الحربي
في زمن ملأت فيه ثورة الذكاء الاصطناعي حياة الناس تقاطعاً واهتماما وحذراً إحدى ما يهدده الذكاء مهنة الإعلامي، بحسب التطبيقات والأمثلة العالمية، وهو ما أثار لدي سؤال وهو عنوان هذا المقال هل سنكتفي مستقبلاً بملحق إعلامي ذكي اصطناعيا؟
هذا السؤال لم يعد يطرح في نطاق النخبة التقنية أو داخل مراكز البحث بل أصبح موضوعاً حيوياً في غرف الأخبار ومدرجات لكليات الإعلام بل حتى في أروقة التشريعات والقوانين.
فعلى صعيد الأمثلة العالمية والتجارب:
في عام 2016، دشنت صحيفة واشنطن بوست أداة «Heliograf»، وهي خوارزمية ذكية تولّت تغطية الانتخابات الأمريكية والأحداث الرياضية لحظة بلحظة. وفي عام واحد فقط، كتبت أكثر من 850 مادة إخبارية قصيرة.
تبعتها وكالات كبرى مثل أسوشيتد برس ورويترز وبلومبرغ التي بدأت بإنتاج تقارير مالية ورياضية باستخدام الذكاء الاصطناعي، مستغنية عن الوقت الذي يستغرقه الصحفي لكتابة هذا النوع من الأخبار الروتينية.
أما في الصين، فقد طورت وكالة أنباء «شينخوا» روبوتًا ناطقًا يُحاكي مظهر مذيع حقيقي ويقرأ الأخبار مباشرة للمشاهدين، مستخدمًا ملامح وجه وتعبيرات صُمّمت بالذكاء الاصطناعي، ما اعتبره البعض «ثورة شكلية» في شكل النشرة، بينما اعتبره آخرون تجريدًا للخبر من بعده الإنساني.
هذا على الصعيد العمل الصحفي ماذا عن العمل الدبلوماسي الإعلامي (الملحق الإعلامي)؟
فعلى على سبيل المثال تطبيق وزارات خارجية وهيئات قنصلية أدوات ذكية في العمل اليومي فوزارة الخارجية الأمريكية مثلاً اختبرت أدوات مساعدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي كما طبقت عددا من السفارات الأمريكية في آسيا وأوروبا أنظمة ذكاء اصطناعي لتحليل اتجاهات الإعلام المحلي ومواقع التواصل، لتزويد الملاحق الإعلامية بتقارير آنية حول «صورة أمريكا» في الإعلام الأجنبي، مما يساعد في صياغة ردود ورسائل إعلامية سريعة.
تجارب عدة تؤكد أن الأتمتة باتت واقعًا. قنصلية إيطاليا في ملبورن أطلقت مساعدًا افتراضيًا للرد على الاستفسارات، وأوكرانيا قدّمت شخصية رقمية لتخفيف الضغط عن دبلوماسييها، بينما استعانت سفارة نيبال في الإمارات بشات-بوت لحل مشكلة بطء الردود. هذه الأمثلة تكشف أن المهام المتكررة قابلة للاستبدال بسهولة: الردود الروتينية، الجداول، والترجمات الأولية.
وزارة الخارجية الأوكرانية أطلقت متحدثة افتراضية بالذكاء الاصطناعي باسم «فيكتوريا شي»، ظهرت في فيديو تعريفي على وسائل التواصل الاجتماعي. لكن المحتوى الذي تنطقه يتم صياغته بشريًا. الهدف: توفير الوقت والموارد للدبلوماسيين في ظل الأزمات.
قنصلية إيطاليا في ملبورن (أستراليا) أعلنت عن مساعد افتراضي ذكي يرد على أسئلة الجمهور بشكل لحظي عبر الموقع الرسمي، لتخفيف الضغط على الموظفين. التجربة ساعدت القنصلية على تقديم خدمات إعلامية متواصلة 24/7، مع توفير وقت الدبلوماسيين للأدوار الإستراتيجية. لكن الدبلوماسية العامة أكبر من خدمة قنصلية. الملحق الإعلامي لا يوزع معلومات فقط، بل يبني صورة وطن، يقرأ المجتمع المضيف، ويدير الأزمات بحس إنساني لا توفره الخوارزميات. تقارير بحثية حديثة-من اليونسكو مثلًا- حذّرت من خطر التضليل العميق (deepfake) الذي قد يستهدف الدول، مؤكدة أن «الحَكَم البشري» لا غنى عنه في ضبط الخطاب والتأثير بمسؤولية.
المنطقة العربية لم تغب عن هذا الحراك. السعودية عبر SDAIA وضعت أطرًا لحوكمة الذكاء الاصطناعي وتوظيفه في الحكومة الرقمية، والإمارات بادرت بمشاريع قنصلية ذكية. هذا يعني أن المسألة ليست استبدالًا للإنسان، بل إعادة تأهيله لقيادة الأداة. الملحق الإعلامي القادم سيكون «محرر الذكاء الاصطناعي» لا مجرد متحدث باسمه.
الخلاصة: التقنية تختصر الوقت، لكنها لا تصنع الثقة وحدها. من يتصور أن شات-بوت قادر على بناء رواية وطنية بطابع مشاعري إنساني مخطئ العمل الإعلامي عمل بشري بخصائصه ومفاهيمه. هذه رؤيتي الآن هل ستتغير مستقبلاً بناء على تطورات الآلة المتسارعة؟ لا أعلم ربما.