د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
شرع الرئيس الأمريكي فرض رسوم جمركية مرتفعة على واردات من عشرات الدول في وقت بدأت التداعيات الاقتصادية تظهر آثارها السلبية على الاقتصاد الأمريكي، حيث شهد التوظيف بداية تراجع، وارتفعت الضغوط التضخمية، وبدأت قيم المنازل في الأسواق الرئيسة تنخفض عقب تطبيق أول دفعة من الرسوم الجمركية في أبريل 2025 حسب جون سيلفيا، الرئيس التنفيذي لشركة ديناميكية إيكونومي سترايني.
يرى سيلفيا اقتصاد أقل إنتاجية يحتاج إلى عدد أقل من العمال وارتفاع الأسعار نتيجة الرسوم الجمركية يخفض الأجور الحقيقية للعمال، والخطر الحقيقي يكمن في تآكل الاقتصاد الأمريكي بوتيرة سريعة، مما قد يترك الاقتصاد الأمريكي في حالة توقف مؤقت أثناء انتظار تداعيات ذلك، حتى بعض الذين عملوا مع ترمب خلال ولايته الأولى مثل بول رايان الجمهوري من ويسكونسن ورئيس مجلس النواب السابق أعربوا عن تشككهم، وعد أن رفع الرسوم في لقاء مع شبكة يإن بي سي لا يوجد أي مبرر سوى رغبة الرئيس في رفع الرسوم الجمركية بناء على نزواته وآرائه الشخصية، فيما أكدت راشيل ويست الباحثة في مؤسسة ذا سنتشري التي عملت في إدارة الرئيس بايدن على سياسة العمل بأن هناك شخصا واحدا فقط يمكنه أن يتعامل بخشونة مع هذا اللا يقين الذي يخلقه ترمب أما بقية الأمريكيين فهم يدفعون بالفعل هذا اللا يقين.
ويخشى ترمب أن تلغي محاكم الرسوم الجمركية، وعد أنها بذلك تقف أمام استعادة عظمة أمريكا، وعدها محكمة يسارية متطرفة تسعى لرؤية أمريكا تفشل، في المقابل شعرت القوى والأحزاب الشعبوية اليمينة المتطرفة المتحالفة مع ترمب خارج الولايات المتحدة خاصة في الاتحاد الأوروبي بأن الساعة قد أزفت للانقضاض على السلطة، وأن ما تعده خضوعا للمشيئة الأمريكية، أو تواطؤ معها لكسر النظام العالمي القائم، هو فرصة لضرب المشروع الأوروبي أو قصقصة أجنحة مؤسساته وإعادة الصلاحيات إلى الحكومات الوطنية، وهذه الانتفاضات في معظم العواصم الأوروبية التي رأت فيه استسلاما أمام التهديدات الأمريكية، ومدخلا إلى المزيد من التنازلات التي لن تتوقف واشنطن عن المطالبة بها، التي ترددت أصداؤها من باريس إلى روما، ومن برلين إلى مدريد بلغت ذروتها ضد رئيسة المفوضية أكثر منها ضد الاتفاقية بذاتها.
في قراءات كثيرين داخل الاتحاد الأوروبي، وبخاصة في عديد من القوى الاقتصادية الوازنة خارج الاتحاد التي كانت تعول كثيرا على بروكسل للصمود في وجه واشنطن، هذه الاتفاقية التي وقعتها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون مع ترمب حول وقف الرسوم الجمركية مقابل ضمانات استثمارات أوروبية في السوق الأمريكية لا تقل عن 600 مليار دولار، وشراء معدات حربية ومنتجات طاقة بقيمة 750 مليار دولار، ما هي سوى فصل آخر في مسلسل ترسيخ نهج ترمب، أي نهج الدفع باتجاه عالم خارج إطار المواثيق والأعراف الدولية تسوده القوة والحمائية الاقتصادية التي تقوم عليها وتستمد منها شروطها.
أصبحت البضائع المتجهة لأمريكا من أكثر من 60 دولة والاتحاد الأوروبي تخضع لرسوم 10 في المائة أو أكثر وتفرض رسوما جمركية بنسبة 15 في المائة على منتجات الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية في حين تصل على 20 في المائة على واردات تايوان وفيتنام وبنجلادش، وفرض رسوم إضافية 25 في المائة على الهند بسبب مشترياتها من النفط الروسي لتصبح 50 في المائة ستؤثر في 55 في المائة من صادرات الهند إلى الولايات المتحدة، وأعلن فرض رسوم على السلع السويسرية بنسبة 39 في المائة وفرض رسوم 100 في المائة على شرائح الكمبيوترية.
يهدف ترمب من هذه الخطوة أن تستثمر دول الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية مئات المليارات من الدولارات في أمريكا وفق وكالة سوشيبد برس من أجل أن يصبح النمو غير مسبوق كما يتوقع ترمب، بل يرى أن بدء تطبيق الرسوم سيوفر وضوحا حول مسار أكبر اقتصاد في العالم التي تعزز الاستثمارات الجديدة وتحفيز التوظيف بطرق تعيد لأمريكا مكانتها كقوة صناعية كما كانت.
رؤية ترمب لهذه الرسوم وسيلة لتقليص العجز التجاري الأمريكي المستمر، أدى إلى مسارعة المستوردين إلى استيراد المزيد قبل تطبيق الرسوم ما أدى إلى ارتفاع العجز التجاري الأمريكي إلى 582.7 مليار دولار للنصف الأول من عام 2025 بزيادة قدرها 38 في المائة عن العام السابق لنفس الفترة، مقابل ارتفاع العجز التجاري الأمريكي شهدت ألمانيا التي توجه 10 في المائة من صادراتها إلى السوق الأمريكية تراجعا في الإنتاج الصناعي بنسبة 1.9 في المائة في يونيو 2025، كذلك هناك تباطؤ نمو الإنتاج الصناعي الصيني الذي يسجل أدنى مستوى له في 8 أشهر وبأبطأ وتيرة منذ نوفمبر مسجلا نموا بنسبة 5.7 في المائة على أساس سنوي، لكنه ارتفع في يوليو 2025 بنسبة 5،7 في المائة.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة أم القرى سابقاً