حنان بنت عبدالعزيز آل سيف
قرأت كتاباً ألفه رئيس تحرير المجلة العربية سابقاً وعنوانه (رؤية حول تصحيح صورة بلادنا وإسلامنا) ومن طرائف العرب قولها: (إن عقل الرجل مخبوء تحت لسانه) ويستدل على صفات الرجل من آثار كلماته، والطب الحديث يستطيع تحديد شخصية إنسان من مكتوب أبدعه (وتلك الأمثالُ نَضْرِبُها للنَّاسِ وَمَا يعقلها إلا العالمون).
وأما نحن القراء فالعنوان مرتبط جداً بالكتاب، والذي دل على محتواه؛ فالقارئ حينما يمد يديه ليقطف هذا الكتاب فهو في أمن وأمان فقد وافق الشكل المضمون، وفي رأيي المتواضع أرى أن هذا العنوان يعد شهادة علمية ووثيقة أدبية على أمانة الطرح، وهادفية الرسالة، والقارئ هو الحكم فكم وكم أنفقنا أموالاً على كتب يستهويك عنوانها، بل يفعل بيانها فعل السحر، فتعود لتأخذ حاجتك منها، وعندما تفحصها بعينك المجهرية، فأنت كمن سمع جعجعة « ولم ير طحناً، وما أكثرها وربي من جعجعات، وينتابني شعور بالاستجمام ورغبة بوقفة سريعة مع مؤلف الكتاب في حياة الأديب (القاضي):
الأولى: تسنمه في فترة سابقة لذروة (مليحة الزمان) (المجلة العربية الضادية) سابقاً.
الثانية: مرافئ حمد القاضي - وليقف المتطلع إليها بعد أن أخذ أهبة من الاسترخاء في المرفأ الذي ساقه الزمان إليه، وأكاد أجزم أنها صورة حقيقية لشخص الأديب القاضي واستميحك أيها القارئ الذي استمكن منه الكلل والسأم والكسل في التريث عند هذه المحطة فهي صورة صادقة للرجل الذي أخذ على عاتقه رسالة صحفية هادفة، وهنيئاً للمجلة العربية، ولرئيس تحريرها سابقاً ومنسوبيها، حينما تنبأت (اللغة العربية) بميلاد عهد جديد يقوم على أكتافهم، وحملتهم رسالتها فقالت:
فلا تكلوني للزمان فإنني
أخاف عليكم أن تحين وفاتي
فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني
ومنكم وإن عز الدواء أساتي
أرى لرجال الغرب عزاً ومنعة
وكم عز أقوام بعز لغاتي
الثالثة: كتب الأديب الأريب القاضي تكشف لك كقارئ سمة من سماته المعرفية، ومن كتبه التي جلبت السعد إلى قلبي، كتاب الشيخ الراحل حسن آل شيخ رحمة الله عليه، وأضاف مؤلفه إلى عنوانه عبارة جميلة جداً نصها: (الشيخ حسن آل شيخ الإنسان الذي لم يرحل) وفعلاً وحتى هذه اللحظة فالشيخ حسن في القلوب، ومكنونات الصدور.
قارئ الكريم الحليم أعرف أن الاستطراد يزعج البعض، ويملل البعض ومن المتأدبين من عدّه محمدة، ومنهم من عدّه منقصة، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك (ثم علل سبحانه (ولذلك خلقهم). وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً).
واستأذنك يا قارئ المتأني بوقفة هامة عند المحطة الثانية من المحطات الحياتية - لأبي بدر - جعل الله حياته وأيامه بدراً وافياً.
(المرافئ) هي مواني عذبة فياضة تكمن في عميق خلجاته وخبايا فكره، وحينما يكتمل جمعها تستقر في عقل أديبنا الباطن، فإذا ما جاشت القريحة، وامتلأ الوجدان، لفظ أديبنا ما يكمن بين ضلوعه من أحساس وجداني يملك تلابيب القلوب المتوقدة، وهذه المرافئ أسباب نزولها في قلب القاضي كثيرة، وإليك بتصور دقيق نوعاً ما، وغير مكتمل عنها فهي قد تأتي تعليقاً وشرحاً وإزالة التباس حول موضوع ما، وقد تكون وقفات أديب يعيش بين الناس ليعبر عنهم، لا أن ينظر لهم من برج عال كلا الطرفين في معزل عن الآخر، ومن جميل مضامين المرافئ الحديث عن صديق ليخلد ذكره، ويبقى أثره، والذكر للإنسان عمر ثانٍ، وما رأيت قاضينا إلا كريماً معطاءً سمح النفس غير بخيل.
وأدبيات القاضي مبهجة، فالقارئ ملزم أحياناً بالوقفة المتأنية ليجيل النظر فيها لا سيما ذاك المرفأ الذي عبره العابرون، وطرقه الطارقون، فعاد القاضي ليبث الحياة فيه من جديد، فأبهت وحير، وشاركني في هذه الوقفة أدباء ومفكرون على رأسهم الأديب (خوجه) المشهور المعروف النابه، ولكني أود أن أوضح للقارئ الصبور فكرتي، وهي أن فكرة الموضوع قديمة، وتمكن القاضي من إلباسها حلة جديدة، قال فيها: (وبراً بوالدتي)، ففكرتي تنحصر في سؤال واحد لا ثاني ولا ثالث له، هل هذا المرفأ إحساس وجداني، أو شعور متأدب متفان، وتيقظ هذا الشعور عقب حادث مقدر، أو موت محدد لصديق أو حبيب أو جار لا قدر الله، وهو طريق وصفه الله تعالى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا} ولا منأى ولا فرار رفعت الأقلام وجفت الصحف؟ ما الذي هز عاطفة الأديب فكتب كلاماً شجياً وقع في قلوب الكثيرين، والحديث إذا خرج من القلب وقع في القلب أما إن خرج من اللسان لم يجاوز الآذان، وللقلوب سلطان على النفوس، فهي تتفق شكلاً ومضموناً وقد تختلف، ولعلي هنا أشير إلى قول قاله النبي صلى الله عليه وسلم في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لأصحابه حينما طرقوا سبب تقديم هذين الرجلين عليهم، فرد عليهم صلى الله عليه وسلم بقوله: «ماسبقكم أبو بكر وعمر بكثرة صلاة ولا صيام إلا بشيء وقر في القلب وصدقه العمل».
وعلى ما يظهر من أدبيات القاضي الحانية من مواساة مريض، ومساعدة جريح، أن هذه اللفتات منه لا يقصد ولا يفهم منها المادة، فالمواساة بالمادة لها مقام ومقال خاص بها، ولكنى أكاد أجزم أن قاضينا يوجه من منبر المجلة الرائدة حين كان رئيسها رسالة لها الأثر البعيد، وهي مواساة المرضى وزيارتهم والحنو عليهم، فالمريض يحتاج إلى هذا الشعور المتدفق بالإخلاص والاهتمام والعطف، وديننا له آداب عديدة، وهذه المواساة جليلة وتكفل الله بالجزاء الحميد لمن قام بها قدماً أو قلماً.
إذاً وجه رسالته بكل دفء وحنان، وحسن اختيار للعنوان حين قال: (وبراً بوالدتي) وبكلمات حركت مشاعر الناس، وكل يغرف من بحره، ولا تزال هذه الرثائية الشجية تذكر في كل مقال ومقام، وكل حادث وحديث، لا سيما أنها نثرية، وأما رثاء الشعر فله أربابه وسدنته وحجابه، فاكملوه وأتموه وكفوا المقال حقه.
لكني أضع الأستاذ القاضي مجرداً من كل شيء، إلا من مقالته الرثائية الشجية، مقتدية برائد من رواد الأدب الحديث عباس محمود العقاد، الذي حدق في ذوات الشعراء كابن الرومي، وأبي نواس معتمداً ومرتكزاً على أشعارهم، ومن خلال ذلك أثرى المكتبة العربية بدراسات جديدة نافعة، وأما ما أثير حولها من شبهات وأقاويل، فنحن أمة وسط تحرص على الخير فتأتيه وترفض الشر فلا تقترب منه.
ومن هنا أيسمح لي أستاذي أبو بدر أن أتأسى بالعقاد في تحليله النفسي لهؤلاء الأعلام البارزين بجدهم وجديدهم، وعدهم وعديدهم، وليعلم القارئ الكريم أني سأنظر إلى شخصية القاضي بنظرة فاحصة صادقة الهدف منها إمتاع القارئ الكريم والدخول معه في منحى جديد يثريه ويفتح المجال ليناقش ويجادل ويحتج، فيقوى باعه، وينطلق لسانه، وليتعلم فلسفة الحوار، وكيفية الحديث مع الآخرين، ثم ينشر حصيلة النقاش الهادف، فلكل جانب رأي يرى أنه حصيف، وعلى الكل منا أن يسلم بآراء الآخرين ويحترمها وليتشرب تلك المقولة التي طالما رددت دون فهم وتطبيق وهي: (اختلاف وجهات النظر لا يفسد للود قضية) وللأسف المزري الشديد أن من أسوأ طباع بعض العرب عدم تسليمهم بآراء الآخرين، ويتحول الحوار من دفة نقاش إلى دفة عداء وكراهية وتباعد.
وليعلم القارئ الكريم أن هذه الوقفة النفسية مع إشعاعات القاضي لها مقام آخر تجيئ تحت مقالات تحمل العنوان التالي: (رجال عرفهم التاريخ) وهذه المقالات ما زالت صيد الخيال، وما الإشارة السابقة إلا أخذ الإذن، وتقبل وجهات نظر القراء جعلها الله باقة خير، وليعرف قراء التاريخ، من هم رجال التاريخ السعودي.
ويأخذ حديثنا الآن اتجاهاً آخر وهو الغور في رؤية حول تصحيح صورة بلادنا وإسلامنا، والسبب في البدء بالمؤلف أن هذا المنهج درج عليه المفكرون والمتأدبون حيث يبدأون بكاتب الكتاب ثم يثنون بنص الكتاب، وسبب ذلك ليكون القارئ على بصيرة من أمره، وليسهل عليه تناول أفكار الكتاب، وتأمل جوانبه، فترجمة الكتاب مفتاح لما استغلق على القراء من مبهمات ألغازه، وأعتقد أنك أيها القارئ رسمت في ذهنك صورة لكاتبه، وعرفت أشياء خفيت عليك، ولكني أقول لك:
إن قاضي المرافئ يختلف عن قاضي هذه الرؤية الإسلامية الصحيحة، فالقاضي الأول أديب والقاضي الثاني كاتب إسلامي ومصلح اجتماعي، فالصورتان مختلفتان، ففي هذه الرؤية يستقطبك الأسلوب المنطقي المقنع، المدعم بالأدلة القرآنية، والبراهين النبوية، فلا حجة لغابث ولا دليل لمنازع، وفي هذه الرؤية انسياب وتسلسل في سياق الأفكار، وهو كتاب يخاطب شرائح المجتمع وطبقاته على تنوعها، فالكل يستقي منه حسب قدراته الذهنية، وكل ضارب فيه بسهم من مثقف وبسيط وأمي، واستطاع المؤلف في هذه المحطات الرؤية والإلمام بالموضوع من تصوير للمشكلة وتلمس لجذورها، وبذور أفكارها، وأخيراً التنفيذ لخططها، هذا الكتاب يقع في (112) ورقة من انتاج دار القمرين للنشر، الكائنة بعاصمتنا العامرة (الرياض) الطبعة الأولى لعام (1424هـ - 2003م).
والقاضي طرح أموراً عدة في صفحات قلة، طرحاً متكاملاً لهذه الظاهرة والتي باتت مصدر رعب وخوف للصغير والكبير، وللعالم والجاهل، وهذا الطرح السهل دليل قوي على أبرز سمة من سماته وهي (الإيجاز) و(الاختصار) وهذه المهارة عدها العرب من سمات البليغ، فهم يعدون الاطالة في موضعها فصاحة وبلاغة بأسرار اللغة، وعد بهذا ممن أرخت له اللغة بزمامها.
والكتاب شيق يجول بك في ظاهرة مريضة تفشت في المجتمعات تفشى النار في الهشيم فباتت محط أنظار المفكرين والمصلحين والمعلمين، والجميل في طرح هذه الظاهرة المدمرة أن يتولاها الأستاذ القاضي الذي يعرف الناس، ويتقن لغة التخاطب معهم، ويسهل عليه إقناعهم، والسبب أنه تبوأ منبراً إعلاميًا مسخراً لتشييد أفضل المجتمعات من حيث معرفته وإلمامه بمكامن القوة، ومواضع الضعف. وهنا تظهر حصافة القاضي حين اختار أقوى رجل سخر نفسه لعلاج هذه الظاهرة المتفشية حديثاً، والتي تنخر في جسم المجتمعات، ليتهدم بنيانه، هذا الرجل غني عن التعريف يعرفه كل الناس لأنهم أجمعوا على أن حمايتهم من هذه الظاهرة المدمرة سيكون على يديه إن شاء الله تعالى، هو الأمير نايف بن عبد العزيز رحمه الله رحمة واسعة ، وجميل الكتاب كثير، والأجمل تلك الاستهلالة والتي تتضمن إهداء الكتاب له إيماناً برسالته وهدفه في الحياة، والتي تحوي اقتلاع الإرهاب من جذوره.
ولي وقفة تأمل عند كلمات الإهداء والتي تقول: (إلى الأمير نايف بن عبد العزيز رجل الحاءات الثلاث الحلم والحكمة والحزم) وهنا نقول: قطعت جهيزة قول كل خطيب، وما استطاع مستطيع من قبل هذا أن يصف الأمير نايف بن عبدالعزيز (رحمه الله تعالى) بمثل هذه الكلمات القلائل والتي تحوي جُل المعاني، كتب الأمير نايف عليه واسع الرحمة والغفران مقدمة هذا الكتاب مشيراً إلى دور الحوار والمجادلة بالحجة في تقريب الآراء، والقدرة على الاقناع، وكيف لا وهذه البلاد منبع الدين، الذي جعلها معتصمة بكتاب الله مطبقة أوامره والله جل جلاله يقول: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.
وفي مقدمة سموه ثناء على الكتاب والكاتب، ودعوة إلى تنوير العقول والأبصار، وتلمح في مقدمة الكتاب جانباً من جوانب شخصية الأمير صاحب الحاءات الثلاث وهي القراءة المتأنية لكل ما كتب حول هذه القضية ليتعرف على فكر مفكري بلاده، وليشجعهم على المضي في هذا الطريق.
والحاءات الثلاث (حلم وحكمة وحزم) هي فضائل ثلاث تكتب فيها المجلدات، وهذه الصفات الثلاث هي القوى الكبرى المحركة لضمير كل قائد باسل يتصدى لقمع هذه الظاهرة المدمرة.
وتذكرني هذه الحاءات الثلاث بعقد مقارنة بن رجلين أحدهما ماض والآخر حاضر، بين أبي مسلم الخرساني الذي أسقط الدولة الأموية وأقام على إثرها الدولة العباسية، هذا الرجل من رجالات التاريخ وصفة الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء بكلمات خالدة، منها : (أبو مسلم الخراساني رجل له نبأ عجيب، وخبر غريب، تأتيه الفتوحات الكبار فلا يفرح، وتأتيه الهزائم الشداد فلا يحزن). فهذه الشخصية تحمل في مزاياها الحاءات الثلاث ( حلم وحكمة وحزم) والتي يطل بها الأمير نايف على الشعب السعودي الأبي في حادث تفجير بئيس وهو في حلم وحكمة وحزم وينتقل هذا الإحساس الدافئ إلى أفراد الشعب السعودي فيغلبهم النوم العميق، وسموه ساهر الليل، ليحفظ لهذا الشعب الذي علق عليه الآمال، واستدعى به الأمجاد أمنه وأمانه، ومستوطنه وقراره.
ومن خلال مقدمة سموه لهذا الكتاب يضع يده على مكامن الظاهرة فيقول: (إن هذا الكتاب على اختصاره نأمل أن يكون مساهمة مباركة في دفع التهم التي طالت بلادنا وأبنائها مثل اتهام بلادنا بالإرهاب بسبب مناهج تعليمنا أو بسبب الخير الذي ينبع من بلادنا).
إذاً صاحب السمو الملكي بحزمه وحلمه وحكمته يدرك ببصيرته النافذة ما للحوار من أثر قوي، وجانب مثمر في إقناع النفوس، وتبصير القلوب، وهذا الإدراك لأهمية الحوار الهادف والذي أشار إليه سموه نابع من أمرين:
الأول: فهم الأمير نايف -رحمه الله- لأسس الدعوة الإسلامية وتمثيله لأوامر دينه وتطبيقه ودعوته لها في تقديمه لكتاب طرح القضية بشكل ممتع ومقنع وبلغة سهلة عذبة فصيحة تخاطب الضمائر الحية لتزداد حياة ويقظة، والضمائر الميتة، لتقدر الأمور، وتجلو عنها الغشاوة والريب والشك وتمحو عن أهدابها المتسخة آثار التراب.
الثاني: خبرة سموه في هذا المجال، فهو الذي حمل على عاتقه مسئولية ضخمة، وحملاً ثقيلاً لينام الشعب السعودي الواثق بقدرة أميره وهو ساهر، وربط ذلك بالحماية لبلاد الحرمين الشريفين من فجوات مهترئة تتهم البلاد بامتهان الإرهاب بسبب مناهج التعليم، والسبب الذي يكشف ما في صدور المغرضين لهذه الدولة وهو حسدها على ما هي فيه من خير عميم، ونفع عظيم.
والأمر الذي أظنه لا يخفى أبداً على حامل المسئولية الأمنية لهذا الشعب الذي عاش ما يزيد على القرن في طمأنينة وسلام ربطه بين تولد فكرة الإرهاب وبين المناهج التعليمية مما يوحي باهتمام سموه الكريم بمناهج التعليم، وحرصه على تحصينها من كل عدو مغرض، أو حاقد كاذب، ومن هنا بارك سموه الجهود العلمية التي تحذر من هذه الظاهرة، فقال مباركاً لجهود المفكر المخلص، ولعل هذا الكتاب الذي ألفه الأخ حمد القاضي في إطار محاورته ورؤيته لفكر الآخر البعيد، وفكر الآخر القريب، أن يسهم في تعزيز منهجية الحوار المستنير) ثم عبر عن فرحه وسعادته بهذا الكتاب حين قال: (لقد سعدت بقراءة محتوى هذا (الكتاب) الذي اجتهد مؤلفه في إعداد مضمونه)، وقراءة سموه للكتاب كانت واعية متانية مستبصرة ودليلي على هذا التقاطه السريع لسمة من سمات مؤلف الكتاب وهي (الاختصار) ولا أحسب أن أحداً يقدر على طرح موضوع الساعة بمنتهى الدقة والإلمام، مما يشجع قارئ اليوم السريع على إتمامه في سويعات إلا رجل لديه الإرادة وقوة العزيمة على السير مع الزمان حيثما سار، وتلمس حاجات المجتمع، وعلاج ما يهدف إلى تفكيكه والعبث بخيراته وكنوزه وذخائره وكم من قليل فاق الكثير، ومن صغير استعلى على الكبير، ذلك بما يحمل بين طياته من إبداع وتفنن وابتكار، ولهذا كان الصحابي الجليل ابن عباس رضي الله عنهما يقول: (ركعتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه) وهذا الكتاب مفتاح لقضية دينية عظيمة، ضحاياها الأطفال والشيوخ والنساء، فمن توجه وجهة القاضي في اختيار القليل والذي يحمل بين طياته الكثير فقد طرق جانباً إسلاميًا وعظياً هاما، فطالما أكد أكابر الأمة دينياً وعلمياً على قصر خطبة الجمعة لئلا يملها المأموم فقالوا: من فقه الرجل قصر خطبته وطول صلاته، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كما قال عنه أحد صحابته البررة: (كان يتخولنا بالموعظة خوف السآمة)، وشهادة صاحب السمو الملكي لهذا الكتاب بالاختصار، لشهادة قوية على قوة تناول هذه الظاهرة المشينة والتي تدفع بمن وقع بين يديه نسخة منه إلى النظر فيه وتأمل أسلوبه.