فضل بن سعد البوعينين
لا يخلو أي قطاع اقتصادي من التحديات، ومنها تحدي القدرات البشرية، الذي أشار له المهندس خالد المديفر نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية لشؤون التعدين، في برنامج «الدرجة الأولى» على قناة «العربية Business، حين قال إن أكبر تحدٍّ يواجهه الشباب هو قدرتهم على بناء القدرات والموارد اللازمة للتنافس واستغلال الفرص التي توفرها رؤية السعودية 2030، وهذه حقيقة إذا ما ربطت بقطاع التعدين، الأكثر حاجة للكفاءات، والمتخصصين المتسلحين بالعلم والمعرفة والشغف، والتجارب الميدانية.
للمملكة تجارب مهمة وعملية في بناء الكفاءات الوطنية، وتعزيز قدرات الشباب، في قطاعي النفط، والبتروكيماويات، ما مكنهم من إدارة القطاعين في جميع مستويات الإدارة والتشغيل، والوصول إلى المناصب العليا فيها.
ففي قطاع النفط، ومنذ البدايات الأولى، كان للشباب السعودي دور رئيس في تلبية احتياجات التوظيف في القطاع، ساعدهم في ذلك سياسة أرامكو التعليمية والتدريبية. لم تكن البيئة التعليمية مكتملة آنذاك، بل كان غالبية المتقدمين للعمل عاجزين عن القراءة والكتابة، فضلاً عن المعرفة بأعمال النفط. تم قبولهم كعمال في الشركة، مع الالتزام بتدريبهم وتعليمهم، ما ساهم في تدرجهم الوظيفي واكتسابهم الخبرات والمعرفة.
نجحت أرامكو، التي لم تكن شركة نفط فحسب، بل كانت مؤسسة تعليمية وتدريبية، نجحت في تمكين موظفيها وتدريبهم على رأس العمل، وتعليمهم ليحصلوا على الشهادات الجامعية من أعرق الجامعات العالمية ومع مرور الزمن تمكن الشباب السعوديون من إدارة أقسام الشركة، وتسنم إدارتها التنفيذية، ثم التشرف بحمل حقيبة وزارة الطاقة. رفضت أرامكو الإيمان بتحدي الكفاءات الوطنية، وآمنت بإمكانيات الشباب السعودي الذي احتاج إلى التمكين ليظهر قدراته الاستثنائية في قطاع النفط.
الأمر عينه، تكرر في قطاع البتروكيماويات، فمن أنشأ سابك، وأدار القطاع هم من السعوديين الأكفاء، الذين وثقت الحكومة بقدراتهم، بعد أن يسرت لهم سبل التعلم، ومكنتهم فتدرجوا في المناصب حتى وصلوا إلى الرئاسة التنفيذية، وساهموا في بناء القطاع من الصفر، وحظي بعضهم بحمل حقائب وزارية في الدولة.
الإيمان بقدرات أبناء الوطن، وفتح أبواب التعليم والتدريب لهم، ساهم في تمكينهم في أهم القطاعات الاقتصادية، قطاعي النفط والبتروكيماويات، وتحفيزهم على التطوير المستمر، وتحقيق مستهدفات التنمية البشرية والأمن الاستراتيجي.
تمكين الشباب من وظائف القطاع، بعد تدريبهم ورعايتهم، يمكن أن يَقلب تحدي القدرات البشرية، إلى فرصة بناء قوى بشرية وطنية قادرة على اقتناص الفرص التي ولدتها رؤية 2030.
الأكيد أن لوزارة الصناعة والثروة المعدنية، وشركة معادن وشركات أخرى، دوراً مهماً في تحقيق هدف صناعة الكفاءات، وتجهيزها للطلب الحالي والمستقبلي، ليس في قطاع التعدين فحسب، بل وفي القطاع الصناعي بمكوناته، وأحسب أن خطوات البناء بدأت بالفعل من قبل الوزارة وشركة معادن لاستقطاب السعوديين، والمساهمة في تعليمهم وتدريبهم، ومنها برنامج رعاية 300 طالب في تخصص «هندسة التعدين» و»الجيولوجيا»، الذي أطلق برعاية وزارة الصناعة والثروة المعدنية، وبشراكة بين شركة معادن، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن. خطوة مهمة تحتاج إلى خطوات متلاحقة ومتسارعة، تضمن صناعة عدد كبير من الكفاءات الوطنية وضخها في سوق العمل، لإدارة الأنشطة الاقتصادية، وتحقيق الأمن الاستراتيجي، والحد من مخاطر الانكشاف المهني.
رعاية 300 طالب من خلال البرنامج، على مدى 10 سنوات أمر مهم، ويحقق جانباً من صناعة الكفاءات السعودية، غير أن التوسع في استقطاب حديثي التخرج من الثانوية العامة وتدريبهم على رأس العمل من أدوات صناعة القدرات البشرية، فما قامت به أرامكو من صناعة جيل متخصص في قطاع النفط والغاز، في مرحلة ندرة المتعلمين، وبدايات التنمية، من خلال التوظيف، والتدريب على رأس العمل، يمكن لشركة معادن استنساخه، على أسس حديثة، تضمن بناء القدرات البشرية في قطاع التعدين، والاستثمار في أبناء الوطن، والاعتماد عليهم، وتمكينهم.
سُئِلَ رئيس أرامكو السابق عبدالله جمعة، عن أكبر التحديات التي مر بها في أرامكو، فأشار إلى تداعيات حرب الخليج ومغادرة غالبية الموظفين الأجانب بسبب مخاطر الحرب، ما أنعكس سلباً على أنشطة الشركة، ولم يتبقَ إلا السعوديون الذين أثبتوا قدرات فائقة وعملوا تحت الضغط لتعويض النقص، خاصة حديثي التعيين والمتدربين الذين ساهم الموقف الحرج في تحويلهم إلى كفاءات وطنية يعتمد عليها.
صقل قدرات الشباب وإكسابهم المهارات اللازمة لن يمكنهم من اقتناص الفرص الوظيفية التي توفرها رؤية 2030 فحسب، بل سيسهم في تحقيق جانب مهم من الأمن الاستراتيجي، المتمثل في استدامة الأنشطة الصناعية والتعدينية والاقتصادية عموماً، في أحلك الظروف، وستسهم في رفع الموثوقية والأمان، وستحد من مخاطر الانكشاف المهني الذي يتسبب به انسحاب غير السعوديين من إدارة وتشغيل الأنشطة الاقتصادية حين الخطر.