د.شريف بن محمد الأتربي
لا يكاد ينقضي عام دراسي بحلوه ومره إلا وتجد المعلمين والمعلمات مشغولين بالعام الدراسي الجديد، الكل يرغب في التميز، في إحداث الفارق، لذا فليس غريباً أن يكون عنوان هذا المقال: نتمنى لكم عاماً دراسياً سعيداً، فكل بداية لعام دراسي جديد هي بداية ميلاد جديد لكل معلم ومعلمة، هي علامة فارقة في مسيرته المهنية، سواء كانت البداية أو اقتربت الرحلة من النهاية.
في مثل هذا الوقت من كل عام وعلى مدار 25 عاما ًكنت آوي إلى ركن شديد أتعلم منهم الجديد، وأستثمر ما لديهم من معارف ومهارات، وأضعها في قالب يناسب طلابي الحاليين، أو الجدد القادمين. كنت أنزوي في صومعتي داخل منزلي، أرسم صورة للعام الجديد، أقرأ المقرر الدراسي، وأفصله تفصيلاً كأني لم أقرؤه من قبل، أبحث في كل المراجع المتاحة، وكل المواقع المحلية والعالمية عن جديد أقدمه لطلابي، أو قديم أطوره بروح الجديد، كنت أحلل درجات العام الفائت وأضع لنفسي هدفاً ألا يقل مستوى تحصيل وتفاعل طلابي عنه، كنت أبحث عن الوسائل المعينة، حتى لو كان لوناً جديداً لأقلام السبورة، كنت وكنت، ولازلت رغم ابتعادي عن الممارسة الفعلية لما يقارب العشر سنوات أعيش لحظات ما قبل الانطلاق.
لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب؛ فما مر به الزملاء من تجارب مع طلابنا الجدد يجب أن يوثق، وأن ينقل إلى معلميهم الجدد، ليست السلبيات هي المقصودة من هذه التقارير، ولكن إيجابيات كل منهم ومفاتيحه، حتى يتسنى لهؤلاء المعلمين أن يستعدوا بأفضل ما عندهم لإكرام هؤلاء الضيوف الجدد، ولا يضيع الوقت في إعادة التقييم، مع الوضع في الاعتبار التغيرات السنية والعقلية والمزاجية لهؤلاء الطلبة.
لقد شرف الله تعالى مهنة التعليم بأن مارسها بنفسه حين علم آدم أسماء الأشياء: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) البقرة، (31)، كما وصف نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- بأنه معلم الأمة، فهل هناك شرف بعد هذا الشرف لنفتخر أننا معلمون لأبناء الأمة، وأننا جنود الله في أرضه، ورسله إلى مجتمعاتنا، نحمل بين أيدينا مشاعل النور، لنخرج من أراد الخروج من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة، ليصبح هؤلاء الطلبة قناديل تزين حياة الأمة، وتنير دربها نحو الوصول للقمة.
عزيزي المعلم، عزيزتي المعلمة، لقد أكرمنا الله تعالى في كل كتبه، وأحاديثه، وعلى لسان كل أنبيائه ورسله، فقد قال تعالى: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) الزمر:(9)، فماذا بعد قوله تعالى؟ ألا يكفي هذا القول لنا ليشعل حماستنا، ويثير رغبتنا في أن نكون من الذين يَعْلَمُونَ، ألا يكفي هذا لنشمر عن سواعدنا، ونرتدي ثوب العلم والمعرفة، ونخلع ثوب العطلة والإجازة، ونقف على أبواب مدارسنا مرحبين بقادة مستقبل وطننا، ميسرين لهم سبل العلم، وميسرين لهم طرق الوصول إليه.
أيها الإخوة والأخوات: أتمنى لكم عاماً دراسياً سعيداً.