د. سامي بن عبدالله الدبيخي
إن الجبال في المدن ليست مجرد تكوينات جيولوجية لا طائل من ورائها، بل هي عناصر طبيعية تسهم في تعزيز الاستدامة البيئية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمدينة. وقد استعرضنا في مقالين سابقين، منشورة في جريدة الجزيرة، أهمية الجبال في تشكيل شخصية المدينة وتعزيز هويتها الدينية والثقافية وعكس عمقها التاريخي. هذا فضلاً عن أهميتها الإيكولوجية في تشكيل جغرافية المنطقة والحفاظ على تنوعها البيئي واستدامتها وحماية المدينة من التأثيرات السلبية لبعض الظواهر الطبيعية كالعواصف الرملية وغيرها.
تساهم التضاريس الجبلية في تحديد التشكيل الجغرافي للمدينة الذي يطبع شخصيتها ويميز شكلها عن غيرها من المدن الأخرى، لهذا السبب وإيمانًا منها بأهمية التشكيلات الجبلية حولها، عملت العديد من المدن حول العالم للمحافظة عليها باعتبارها جزءًا أساسياً من هويتها ورمزاً لشخصيتها، على غرار مدينة كيب تاون بجنوب إفريقيا التي جعلت من جبل الطاولة Table Mountain أحد معالمها الرمزية ومزاراً سياحياً يعكس هويتها، جنبًا إلى جنب مع الجبال الأخرى بالمدينة وأبرزها جبل رأس الأسد Lion»s Head المميز بشخصيته الشامخة وإطلالاته الخلابة.
وقد اتضح لي عند التجول في المدينة أن كل هذا الاهتمام بالجبال لم يأت من فراغ وأن الحفاظ عليها ليس وليد الصدفة، بل جاء نتيجة للوعي بأهميتها ووضع التنظيمات العمرانية الصارمة لحماية سفوح الجبال منعاً لأي تدخل عنيف وأي مساس بهذه التضاريس الجبلية قد يؤدي لهدمها أو تهديد تركيبتها سواء بالتوسع الأفقي للعمران أو بتمدده الرأسي. وعملاً بالمبدأ القائل، إذا كان المبنى بطبعه ملكية خاصة فإن جمالية المظهر العمراني وهوية المدينة حق عام، فإنه يتوجب وضع أنظمة التخطيط لتساهم في رفع مستوى كفاءة أداء المدينة لوظائفها وضمان جودة الحياة من خلال حماية الموارد الطبيعية والحفاظ على شخصية المدينة وهويتها الثقافية وتحسين كفاءة البنية التحتية.
خلاصة القول هو أن المدن تسن ترسانة من التشريعات والتنظيمات العمرانية الصارمة حماية لمظهر الجبال الطبيعية وتكويناتها التي طبعت هوية المدينة وشكلت عمقها التاريخي على مدى قرون خلت. ومما لا شك فيه أن الأنظمة التخطيطية والضوابط العمرانية أدوات أساسية لإقامة بيئات عمرانية تضمن جودة الحياة واستدامتها خاصة في سياق تباين المدن في قضاياها الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية وتمايزها في شخصياتها وخصوصياتها.