د.عبدالعزيز النخيلان
نسافر لأهداف شتى. يمتطي بعضنا وسيلة سفره بحثًا عن المتعة، الاستكشاف، أو تغيير روتين الحياة، وغالبًا ما يكون ذلك برفقة العائلة أو الأصدقاء، في مواسم الصيف التي توحّد الغايات وتختلف فيها الوجهات.
بينما يسافر البعض، يكتفي آخرون بوداع أحبابهم واستقبالهم، مردّدين كلمات الفنان راشد الماجد من شعر الأمير الراحل بدر بن عبدالمحسن:
لا تلوّح للمسافر.. المسافر راح
ولا تنادي للمسافر.. المسافر راح
وحين يعود المسافر، يلوّح بيده هذه المرة فرحًا، كما غنّى فنان العرب محمد عبده بكلمات الأمير خالد الفيصل:
طال السفر والمنتظر ملّ صبره
والشوق يا محبوب في ناظري شاب
نغادر الوطن وبين الضلوع حنينٌ لا ينطفئ، نشعر بسعادة الانطلاق، يقابلها شوق دفين لمكانٍ لم نغادره بعد. نهمس في داخلنا: «سنشتاق، ولكن لا نطيق الغياب طويلًا».
نعود محملين بالذكريات، ومعنا ضحكات أطفالنا وأحاديث أحبّتنا، نُغني ذاكرتهم بالتجارب ونمنحهم لحظات صادقة لا تصنعها الكاميرات ولا المظاهر. نعيش كل لحظة معهم بلا تصنّع، ونصنع الزمن بدفء صحبتهم.
تمتلئ أجهزتنا بصور ومقاطع لا تقدر بثمن: لحظات عفوية، ضحكات صافية، مواقف تلامس القلب، نرى فيها الزمن وقد توقّف ليحفظ لنا عمرًا من الفرح. نعود إليها لاحقًا، فنرى كيف تغيّرت ملامحنا، لكن المشاعر بقيت كما هي.. حاضرة في كل لقطة.
وعندما نعود إلى أرض الوطن، نشعر وكأننا نراه للمرة الأولى. نُبصر النِعم التي كدنا نغفل عنها: التنظيم، البنية التحتية، جودة الخدمات، أخلاق الناس، دفء الموظفين في المطارات.. تفاصيل كثيرة تنعكس على أول وهلة لتغمرنا الدهشة والإعجاب.
نشعر بفخامة شوارعنا، ورفاهية منازلنا، واتساع غرفنا، وحتى أسرّتنا تُشعرنا براحة لا نجدها في مكان آخر. نُدرك تنوّع أطعمتنا، وجمال عاداتنا، ونشتاق لأعمالنا وروتيننا وأصدقائنا وجيراننا ومنازلنا ومساجدنا.
نُدرك في السفر عظمة أن نكون «سعوديين». نحمل جوازًا يُحترم، ورسالةً وطنية تحضر في كل مطار ووجهة، نُشعر بالأمان والفخر والاعتزاز حين تصلنا رسالة من سفارتنا تظهر على هواتفنا في اللحظة التي تلامس إطارات طائراتنا الأرض من السفارة السعودية، تظهر عنوان السفارة وأرقام التواصل لتوفير الدعم والمساعدة على مدار الساعة.
وفي الوقت ذاته، هناك من لا يُغادر الوطن، لأنهم يرون أنه أرض المتعة والراحة، يعيشون الرفاهية بكامل تفاصيلها دون الحاجة للارتحال.
يعيشون في منازل فخمة، ويتنقلون بسيارات فارهة، ويتجولون في منتزهات منظمة، ويجلسون في مقاهٍ راقية، يحيطهم الأهل والأصدقاء، ولا ينقصهم من الدنيا شيء.
نحبك يا وطني، في الغربة والحضر، في الحِل والترحال. تسكننا ونسكنك.
نراك جميلاً بين كل البلدان، لكننا نراك الأجمل حينما نعود من بعيد.