رسيني الرسيني
في حين تعمل مصانع سويسرا جاهدةً على إنتاج أجود أنواع الشوكولاتة، تُثمر أرضنا الصحراء بلا عناء ألذ أنواع الحلوى، وكأن أسرار الأرض وضعت في ثمرة صغيرة اسمها تمرة. وبعيدًا عن المقارنة، أكتب هذه المقالة عن الحدث الاستثنائي في تدشين طريق التمور الدولي، الأول من نوعه عالميًا، ليكون معبرًا جديدًا نحو آفاق التجارة العالمية، ومنصة تروّج لواحد من أبرز المنتجات الزراعية السعودية، حيث يجسد هذا المشروع رؤية إستراتيجية تهدف إلى ترسيخ مكانة التمور السعودية في الأسواق العالمية، ويعكس التوجه نحو تعزيز الأمن الغذائي، وتمكين الصادرات الوطنية، وتنمية القطاع الزراعي بما يتماشى مع مستهدفات الرؤية.
التدشين جاء بتوقيع اتفاقية تعاون بين الأمانة العامة لكرنفال بريدة للتمور ومركز التكامل الثقافي لدول منظمة شنغهاي للتعاون، من أجل تنفيذ هذا الطريق النوعي من مدينة بريدة إلى مدينة بيشكك عاصمة جمهورية قيرغستان، وربطه بعد ذلك بطريق الحرير للوصول إلى الأسواق الدولية، بحيث تصبح بريدة منصة دولية تفتح للتمور السعودية آفاق أوسع في الدبلوماسية الثقافية والتنمية الاقتصادية عبر مسارين متكاملين؛ الأول هو «المسار الميداني»، ويشمل تنظيم المعارض والمزادات والفعاليات المحلية والدولية، والأنشطة الثقافية المرتبطة بالتمور. أما الثاني فهو «المسار الرقمي» عبر منصة إلكترونية تربط بين المنتجين والمستثمرين والمشترين حول العالم، وتقدم قاعدة بيانات شاملة ومحتوى تثقيفي عن التمور السعودية وتاريخها.
من الناحية الاقتصادية، يعزز طريق التمور الدولي موقع المملكة كمركز عالمي لصناعة وتجارة التمور، خاصة مع دعم البنية التحتية التسويقية عبر الكرنفال الأضخم عالميًا، وهو كرنفال بريدة للتمور، الذي تتجاوز مبيعاته السنوية 3.2 مليار ريال سعودي. وقد سُجل هذا الكرنفال في موسوعة غينيس كأكبر تجمع لتسويق التمور عالميًا، ما يؤكد حجم النشاط الاقتصادي الذي يتمحور حول هذا المنتج الزراعي الحيوي. إذ تتميز منطقة القصيم وحدها بوجود أكثر من 11 مليون نخلة، ما يوفّر طاقة إنتاجية ضخمة تؤهل المملكة لتكون في صدارة الدول المنتجة والمصدّرة للتمور، وتمنح الاقتصاد الوطني فرصة إضافية للنمو غير النفطي.
يأتي مشروع طريق التمور الدولي منسجمًا مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، التي تسعى إلى تنويع مصادر الدخل وتحويل الموارد الطبيعية إلى دعائم اقتصادية قوية. حيث استطاعت المملكة تحقيق المستهدف بهذا الشأن وهو أن تصبح المصدر الأول للتمور عالميًا؛ إذ كشف المركز الوطني للنخيل والتمور في تقريره السنوي عن ارتفاع صادرات المملكة من التمور إلى نحو 1.7 مليار ريال في عام 2024م، مقابل 579 مليون ريال في عام 2016م، أي تضاعفت قيمة الصادرات ما يقارب ثلاث مرات خلال أقل من عشر سنوات. الجدير بالإعجاب أن المملكة تُصدر تمورها إلى أكثر من 130 دولة، ما يعكس ثقة الأسواق العالمية وتميّز المملكة في هذه الصناعة الإستراتيجية.
حسنًا، ثم ماذا؟
يوجد في المملكة منتجات أخرى متميزة وواعدة للتنافس العالمي مثل: اقتصاد القهوة في منطقة جازان، وهو أمر آخر يدعو للفخر، سأفرد له مقالة أخرى - بمشيئة الله.