منصور ماجد الذيابي
كان إنسان العصور البدائية يسافر مضطراً ويرحل من مكان إلى مكان بعيد آخر ليس لأجل السياحة والتنزه وحضور الأنشطة والفعاليات والمناسبات الثقافية المختلفة لشعوب أخرى في بلدان أخرى تبعد آلاف الأميال عن موطنه الأصلي وبيئته التي اعتاد التنقل والتجوال في ربوعها وبين أوديتها وهضابها وعبر جبالها وأشجارها عندما بدأت نشأته الأولى سيراً على قدميه أو راكباً على راحلته مسافرا دون أن يتوافر له أي حماية أمنية لمجابهة أي هجوم عدواني محتمل خلال رحلته في تلك الحقبة الزمنية التي لم تكن تخلو من قطاع الطرق والقناصة والْغزَاة ومجمركي القوافل وغيرهم من المجرمين المتربصين بالمسافرين عبر الصحاري والبراري والقفار.
كان هؤلاء البشر في زمن الرحلات البطوطية في العصور الوسطى وما تلاها يتنقلون ويسافرون الى ديار بعيدة لا من أجل السياحة والسباحة في البحار والمحيطات وانما لأجل البحث عن بحيرات المياه العذبة والمراعي الخضراء التي يطيب لملاك الإبل والأغنام الإقامة فيها خلال موسم الربيع حيث تنمو الزهور البرية والنباتات الصحراوية وحيث تنخفض درجة حرارة الطقس إلى أدنى معدلاتها خلال السنة.
واليوم، وبالرغم من استتباب الأمن واعتدال الأجواء ووجود المناطق السياحية الجاذبة للسياح في بلادنا وبالرغم من اطلاق مشروع «السعودية الخضراء» كما أشرت سابقاً في مقال صحفي بعنوان «تحويل الصحراء إلى مروج خضراء»، ورغم توافر الخدمات العامة وكل المقومات السياحية في المملكة العربية السعودية حيث الحدائق والواحات والمسطحات الخضراء، إلا أن كثيرا من البشر ما زالوا يسافرون إلى دول أخرى بعيدة حيث تكثر جرائم السرقات وحوادث السطو والاعتداء، وحيث ترتكب الموبقات وتنهب الممتلكات تحت جنح الظلام وفي وضح النهار كما حدث مؤخراً لكثير من السياح الذين تعرضوا لمضايقات أو لقوا حتفهم على أيدي العصابات المسلحة التي تستهدف السياح العرب في مناطق واسعة من هذا العالم ولا سيما احتمال التعرض لمحاولات زعزعة الثقة بالثقافة الإسلامية العربية كما أوضحت سابقاً في مقال بعنوان: «بناء مستوطنات ثقافية في العقل العربي».
ومن هنا يكون التساؤل حول ازدياد معدلات المسافرين أو المهاجرين، وما هي الأسباب التي تدفع البشر إلى السفر رغم توافر كل المقومات السياحية والأمنية في بلدانهم ورغم توافر المؤسسات التعليمية والمراكز الطبية والأسواق المركزية والرمال الذهبية والأجواء الربيعية كما في منطقة عسير والباحة والطائف وغيرها من المناطق ذات الأجواء المعتدلة فضلا عن تكلفة المعيشة المنخفضة؟!
لقد لفت نظري وأعجبني واستوقفني ما جاء في أحد مقاطع فيديو متداول على نطاق واسع للشاعر السعودي الأستاذ زياد بن نحيت الحربي الذي تحدث فيه بوضوح وسلط الضوء خلال حديثه على ظاهرة السفر بقوله إنه «ليس كل من سافر وجد المتعة والسعادة، وأن البعض يترك منزله الواسع المجهز بكل وسائل الراحة والرفاهية ثم يسافر لدولة اخرى بعيدة ويبدأ في انفاق الكثير من المال مقابل المواصلات والسكن في غرف ضيقة في احد الفنادق» في أحياء مكتظة بالغرباء والبؤساء والفقراء والعصابات المنظمة وغير المنظمة لمجرد أن يقول للناس بأنه سافر إلى هذه البلاد وحصل على الشهادة من تلك الديار.
كنت عشت تجربة السفر والغربة خلال مرحلة دراستي في إحدى الدول الأوروبية وقد تمنيت آنذاك العودة بعد مضي نحو شهرين فقط حينما اكتشفت وأدركت مستوى المؤسسات التعليمية وأسلوب الحياة ومعدل الاستقرار النفسي والأمني في بلاد الغربة مقارنة مع ما يتوافر في الوطن من مؤسسات علمية ومشروعات خدمية ومقومات سياحية جعلت كثير من المغتربين يفكرون بالعودة عاجلاً إلى أرض الوطن والمساهمة في خدمته وتنميته في ظل ما تقدمه القيادة من توجيهات حكيمة ترسم لنا رؤية استراتيجية طموحة تستهدف تحقيق التنمية المستدامة ورفع كفاءة العنصر البشري من خلال ما تقدمه المؤسسات العامة من خدمات أمنية واقتصادية وتعليمية وطبية وسياحية جعلت بلادنا تضاهي بل تتفوق على الدول المتقدمة في نواح كثيرة من الحياة.