د.محمد بن عبدالرحمن البشر
هناك بعض المحللين الذين يتوقعون أن يبلغ دين الولايات المتحدة الأمريكية في بضع سنوات مائتين وخمسين في المائة من إجمالي الإنتاج الوطني، وهذا رقم لا يمكن استيعابه، لكن لا يمكننا القطع بعدم حدوثه إذا استمرت السياسة الاقتصادية والنقدية على ما هي عليه الآن، وكما يعلم الجميع فإن الاقتصاد الأمريكي هو الأكبر في العالم، ويبلغ إجمالي الإنتاج الوطني نحو ثلاثين تريليون دولار، وبلغ دينها العام نحو سبعة وثلاثين تريليون دولار، أي أن نسبته 123 في المائة، وهو رقم ما زال بعيداً عن الرقم المتوقع، لكن إذا سار بنفس الوتيرة من التسارع فقد يصل إليه بعد سنوات معدودة.
لاشك أن هذه الأرقام مقلقة لمتخذ القرار الأمريكي، وكذلك للاقتصاد العالمي، فالعملة الأمريكية هي التي يتم التعامل بها في 80 في المائة من التجارة العالمية، والولايات المتحدة هي الدولة الأولى في قيمة الواردات، والثانية في قيمة الصادرات بعد الصين، وهذا يعني أن القوة الشرائية فيها عالية جداً، وأنها سوق استهلاكي كبير، مع دخل سنوي للفرد يبلغ نحو تسعين ألف دولار في السنة، والخدمات تستهلك واحد وعشرين تريليون دولار، وتسهم بـ80 في المائة من إجمالي الإنتاج الوطني، كما أنها تستوعب 80 في المائة من اليد العاملة، بينما نجد أن الصناعة تمثل 19 في المائة من الإنتاج والتوظيف، بينما تمثل الزراعة نحو 1 في المائة في الإنتاج والتوظيف، وهنا يبرز الفارق في الاقتصاد بين الولايات المتحدة وبعض الدول التي تمثل الزراعة فيها نحو 60 في المائة من الإنتاج الوطني، وقد تمثل الزراعة 80 في المائة من توظيف القوى العاملة، وكما نعلم فإن المنتجات الزراعية ذات قيمة مالية منخفضة مقارنة بالخدمات والصناعة، رغم انه لا حياة دون إنتاج زراعي، والإنسان المعاصر ينفق على الخدمات جل دخله بينما لا يشكل غذاؤه سوى نسبة بسيطة، فهو يحتاج إلى مأوى وملبس وكهرباء ومواصلات وتعليم، وربما ترفيه للأطفال أو الكبار، لهذا فان طلب الدول على الدولار يكون كبيراً لشراء المستلزمات الضرورية.
كثير من الدول تحتفظ بالدولار كغطاء لعملتها المحلية، كما أن بعض الدول تستخدم الدولار كعملة وطنية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، والثقة في الدولار نابعة مما تتمتع به الولايات المتحدة من قوة عسكرية وسياسية واقتصادية، جعلها ملاذاً دائماً وآمناً لاسيما عند الأزمات، ومن المؤكد والمعلوم أن هذا يفيد الولايات المتحدة في فرض عقوباتها على من تشاء من الدول التي لا تسايرها في نهجها السياسي.
وفي بريطانيا ظهر خبر بأن مشاركة القوى العاملة في الإنتاج الوطني تدنت بدرجة ملحوظه، وهذا مؤشر غير جيد للاقتصاد البريطاني الذي يعاني الكثير من المشكلات والأعباء الاقتصادية الناجمة من عوامل داخلية مثل التضخم وخروج عدد من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، حيث خرج أكثر من خمسين ألف ملياردير، وتوجهوا للإقامة في دبي وإيطاليا وإيرلندا وغيرها من الدول، وعوامل خارجية مثل تمويل الحرب في أوكرانيا، ومن الملاحظ أن التباطؤ في الإنجاز في بريطانيا ظاهر وملموس، بينما هناك دول مثل المملكة العربية السعودية يتم فيها الإنجاز بسرعة أكبر وأفضل سواء في القطاع الحكومي أو الخاص.