عبدالعزيز صالح الصالح
لا ريب أن المناظر الجميلة، واللوحات الأنيقة، تبعث في النفس البشرية انتعاشاً، وفي الحسن منبعاً وجمالاً وسحراً، وللتعبير لفظاً ومعنى وتركيباً ووعاءً مضيئاً. لقد زود الله سبحانه وتعالى أصحاب المقتنيات التراثية، بالحس المرهف والذكاء اللماح، فهم من أصدق الناس قولاً وفعالاً، وأصفاهم نفوساً، وأقواهم طبعاً، فإنهم يكتشفون المعاني الراقية، ويلبسونها بالألفاظ الجميلة، دون تكلف أو صنعة، وكل صاحب هواية لهذا التراثي العريق له خاصية متأنقاً، ومتألقاً، فواح التعبير.. قد جعل من هوايته وعشقه في لمح البصر إنساناً آخر.. يمتاز بالهمة، والعزيمة والإصرار على المحافظة على هذا التراث في محيط هذا المتحف التراثي، لا جرم أن هذه المقتنيات التراثية المعروضة التي تراها على لوحات مزخرفة فإنك تحيا في عالم روحي، وتسمع همساً عزيزاً يرتعش ضمن أساطير وسنانة يدمدم حولها الزمن وكأنها أعالٍ متوهجة الأنوار!! تمتاز بالتنسيق والأعداد فإنها تبهر المشاهد جودتها، وقيمتها التاريخية، بشكل مرتب وموزع بطريقة حديثة فقد شبه هذا التنظيم بالأعضاء الجسدية بالحروف فجعل الحاجب بمثابة النون والعين بالعين والصدغ بالواو والفم بالميم والصاد والثنايا بالسين والطرة المضفورة بالشين - فهي ابتكارات تحرك أديم القطع الأثرية، وتؤكد ما ترمي إليه فقد قطع أدب التراث أشواطاً طيبة في تلك السنوات الماضية فإن هذه المقتنيات التراثية أمجاد الآباء والأجداد فهي مشاعرنا وفيض وجداننا عندما تتأمل داخل هذا المتحف وتجد هذه المعالم الأثرية تحيط بك من كل جانب مطرزة بالزخارف الجميلة وهذه المعالم المتلألئة بين عسبان أشجار النخيل المتقاربة مع بعضها البعض في صفوف متراصة، وأخشاب شبه مستقيمة ومتباعدة عن بعضها البعض بمسافة تقدر بالمتر الواحد فهي ذات أشكال جميلة فأنت أمام إبداع هندسي متناسق بلغ بعد الله حد الكمال فيه شيء نقي ذو إيقاع خفي يصدر فيه موجات صغيرة من الإشعاع الضوئي إنها سر الحياة الخفية فإن سهولة مرور الضوء أو التيار الكهربائي عبر هذه الأعواد الخشبية الممتدة تتعلق ببنية التركيب، والترتيب والرصف بطريقة هندسية فنية عالية حيث إن هذا التراث العريق يطفو على السطح بقوة وتماسك حتى أصبحت هذه المقتنيات التراثية عبارة عن لوحة فنية تتكسر على جانبي حناياها الأضواء المدهشة دون ضياع حسي بالدرجات اللونية - فالحديث عن هذا المتحف المصغر شائق وكثير، طريف ولذيذ، يشد السامع، ويأخذ بمجامع قلبه، مهما طال وامتد، سواء كان هذا الحديث عن الماضي العريق، أم عن الحاضر المشرق فإن النفس البشرية يشوقها التحليق في عالم التراث الذي يتصل بحياة الآباء والأجداد، فالحديث عن هذا التراث مهما طال واتسع وتشعب لا يستطيع المرء أن ينسى هذه المعالم التراثية أو دفنها أو طمسها عن الظهور، فقد ترك الآباء والأجداد وراءهم مقتنيات متعددة وأبنية رائعة وأبراج آية في الطول والجمال، مفعمة بالآثار المتنوعة فقد سجل التاريخ الطويل بسطور المجد والفخر لهذا الإنسان، في أروع الصفحات، التاريخية لو قيض لكل شخص منا لمشاهدة هذا المتحف المصغر لوقف وقفات يحدوه التأمل والتفكر وامتلأ عجباً بهذه المقتنيات النادرة المتنوعة. وهذه الحيطان الطينية المتناسقة كل شيء يغيب ويندثر.. فالتراب يغمر التراب.
وبعد هذه الجولة القصيرة على هذا المتحف المصغر الذي يحتوي على مقتنيات نادرة - فقد قيض الله لهؤلاء الآباء والأجداد رجالاً أوفياً حافظوا على هذه المعالم الأثرية وعلى هذه المقتنيات التراثية، فهذا يدل دلالة واضحة على وعي هؤلاء الرجال وحرصهم الدائم واهتمامهم المستمر بهذا التراث العريق - فهي تلك صفحات قليلة عن تاريخ هؤلاء الأبطال، وإنه لتاريخ يرفع رؤوس الأبناء والأحفاد فخراً وعزة وشرفاً ويدفعهم إلى ضم صحائف جديدة إليه حتى يبقى المجد متصلا والفضل خالداً.