محمد العويفير
في كل مرة نعتقد أن القرارات الإدارية الرياضية وصلت إلى حدّ العبث، يفاجئنا الواقع بخطوة جديدة أكثر ارتجالاً وأكثر إضراراً بمستقبل اللعبة، آخر هذه العجائب هو قرار التعاقد مع مواليد 2003، قرار صيغ على الورق كأنه فتح استثماري كبير، لكنه في التطبيق لم يكن سوى قيد جديد يكبّل الأندية ويشوّه هوية المنافسة، قرار أضاع الفكرة من أساسها، وقضى على أي جدوى فنية أو مالية أو تسويقية كان من الممكن أن تُجنى من استقطاب لاعبين صغار في السن. لا أعلم من الذي اجتهد ثم أصرّ على هذا القرار الكارثي، ولكن ما نراه اليوم لا يمتّ لا للتخطيط الرياضي ولا للاستثمار الاحترافي بصلة، التعاقد مع لاعبي مواليد 2003 الموسم الماضي كان يفترض أن يكون خطوة ذكية للاستثمار في الطاقات الشابة، وأن يفتح باباً لصناعة جيل جديد يثري المنافسة محلياً ويشكّل رصيداً تسويقياً وفنياً للأندية، لكن ما حدث هو العكس تماماً: القرار قُتل في المهد بتطبيق أعوج حرمنا من كل فائدة ممكنة.
ثمانية لاعبين فقط يسمح بتسجيلهم، واثنان منهم خارج القائمة في كل مباراة! أي منطق رياضي هذا؟ أي استثمار يُبنى على وضع لاعب موهوب في المدرجات بينما النادي يدفع رواتب ويهدر موارد على لاعب ممنوع من المشاركة بحكم التنظيم! أين العقلية التسويقية التي تفترض أن هؤلاء الشباب هم واجهة المستقبل ومصدر قيمة سوقية متصاعدة، الأدهى والأمرّ هو الإصرار على تثبيت الخطأ، بل وابتكار بند أعجب من الخيال: في الموسم التالي، إذا غيّر النادي لاعباً من فئة الكبار فإن اللاعب مواليد 2003 يُحسب مباشرة كلاعب كبير ضمن الثمانية الأساسيين، وتنتفي عنه صفة المواليد! ما هذه العبقرية؟ كيف تحاسب الأندية على تغيير لاعب وكأنها ارتكبت خطيئة لا تغتفر؟ أليس التغيير حقاً مشروعاً لكل نادٍ يريد أن يوازن احتياجاته الفنية؟
تخيلوا السيناريو: النادي يحتاج لاعب وسط وعلى إثر ذلك يتم ضم لاعب المواليد والذي يلعب كظهير أيسر ضمن الكبار! هل يعقل أن يُعاقب النادي بملء خانة لاعب كبير بسبب فجوة في التخصص؟ كيف تُبنى الفرق في العالم كله على أساس التوازن التكتيكي، بينما عندنا تُبنى على قيود ورقية تقتل التوازن وتشوّه التشكيلة.
الضرر هنا ليس فنياً فقط، بل مالياً وتسويقياً أيضاً، اللاعب الذي يُفترض أن يستثمر فيه النادي ليصنع له قيمة سوقية يجد نفسه رهينة اللوائح، فتتجمّد موهبته، ويتبخر حلم بيعه أو تسويقه مستقبلاً، أما النادي فيتحول من كيان يفترض أن يستثمر في الشباب إلى متورط في صفقات خاسرة لا تعود بأي عائد.
الرياضة استثمار، والإدارة وعي، والقرار السليم ما يُبنى على رؤية شاملة، أما هذا القرار فلا يمتّ للرؤية بصلة. بل هو عناد تنظيمي يقتل الطموح ويكسر الأندية، ويضيّع فرصة ذهبية لصناعة جيل جديد كان يمكن أن يكون ركيزة المستقبل.
السؤال البديهي: إلى متى الإصرار على الخطأ؟ ومن يتحمل مسؤولية تشويه الفكرة الجميلة وتحويلها إلى كابوس يثقل كاهل الأندية بلا فائدة.
رسالتي
البند الذي صدر ثم ألغي والذي يشير إلى منع أي لاعب شارك ثم انتقل لنادٍ آخر من المشاركة مع ناديه الجديد حتى الشتوية هو تأكيد على عشق المسؤولين ابتداع قوانين تثير الجدل وتجعل من دورينا ولوائحه مادة للسخرية وأحياناً للاستغلال.
** **
- محلل فني