نجلاء العتيبي
تشهد الأرضُ اليوم تحوُّلاتٍ مناخيةً متسارعةً أوجدت واقعًا غير مألوف؛ فلم تعُد الفصول على نسقها المعتاد، ولا الأمطار في مواعيدها أو بكمياتها، تتبدَّل الأجواء فجأةً، فتغمر السيول مُدُنًا غير مُهيَّأة، وتجف أنهارٌ كانت مصدر حياة، هذه التقلُّبات تضع المجتمعات أمام تحدياتٍ مصيريةٍ تتطلَّب وعيًا شاملًا، واستعدادًا استباقيًّا يقوم على التنظيم والتنسيق والجاهزية الدائمة، مع اليقين أن ما يجري كله ضمن قدرة الله التي تُذكِّر الإنسان بضعفه وحاجته إلى التدبير الرشيد.
في قلب هذا الاستعداد تنبضُ مراكز الطوارئ؛ فهي المرجع الأول عند وقوع الكوارث: تلتقط إشارات الخطر مبكرًا، وتُحوِّلها إلى خطط عملية تصنع الفارق، دورها لا يقتصر على إنقاذ الأرواح، إنما يشمل بناء منظومة وقائية تبدأ بتأهيل الكوادر، وتصل إلى تثقيف المجتمع بسلوكيات النجاة، وحين تضرب العواصف فجأةً، لا مجال للارتجال. ومع ذلك، تبقى فاعليةُ هذه المراكز رهينةً بوعي الأفراد؛ فكلُّ إنسان حلقةٌ في سلسلة الأمان الجماعي، وكل بيت مُطالَبٌ بخطة بسيطة تبدأ بمعرفة المخارج، مرورًا بتجهيز حقيبة طوارئ، وانتهاءً بالالتزام بتعليمات السلطات.
إن قوة أيِّ منظومة طوارئ تُقاس بمدى تعاون المواطنين معها؛ فأرقى النظم تفقد قيمتها أمام مجتمعٍ لا يستجيب، والتغيُّر المناخي لم يعد ملفًا نظريًّا في المؤتمرات، إنما واقع نعيشه: أمطار غزيرة تتحوَّل إلى فيضانات مدمرة، وانحباسها إلى جفاف يُهدِّد الغذاء والماء، نحن أمام تباين قاسٍ: فائض خطير في وقت، ونقص مدمر في آخر، وهذا يفرضُ إعادة التفكير في أساليب العيش والزراعة والعمران وأنماط استهلاك الموارد. وفي هذا السياق، تُصبح مراكز الطوارئ أداةً لتقليل الخسائر، بينما تظلُّ الوقاية الطويلة المدى مسؤولية جماعية تقوم على سلوكٍ مستدامٍ يُقلِّل الضغط على البيئة، مع يقين أن الأمن لا يتحقَّق إلا برعاية من قدرة الله.
الرسالة لكل فرد واضحة: النجاة لا تأتي بالتمنِّي بل بالمسؤولية، فحين يهطل المطر بغزارة، يصبح احترام التحذيرات والإخلاء المبكر عملًا يساوي حياة، وحين يُعلن عن عاصفة، فإن تجاهل التنبيه مخاطرةٌ قد تعصف بالمجتمع بأسره، وهنا يتجلَّى الدور الأخلاقي للمواطن: لا يحمي نفسه فقط، وإنما يُساهم في حماية مَن حوله، واضعًا ثقته في حفظ الرحمن بعد الأخذ بأسباب الوقاية.
ولا يغيب عن المشهد البُعد الإنساني لمراكز الطوارئ؛ فهي لا تنقذ أجسادًا فحسبُ، بل تسند النفوس المنهكة في لحظات الفقد، فحين تُفتح الملاجئ، ويُوزع الطعام والماء، يشعر المنكوب أنه ليس وحيدًا، وأن المجتمع يقف إلى جانبه، هذا يُولِّد ثقة متبادلة بين الفرد والمؤسسة، ويُعزِّز الانتماء إلى جماعة قادرة على مواجهة المحن بصلابة.
ولكي يتحقَّق ذلك، لا بد أن تُبنى المراكز على أُسُس علمية حديثة تجمع بين التخطيط الدقيق والتنظيم المتطور، وأن يقودها كوادر مُدرَّبة قادرة على اتخاذ القرار الصحيح في اللحظة المناسبة، فإلى جانب العلم والتقنية يبقى التضامن الإنساني عاملًا أساسيًّا؛ فالمجتمعات التي تنهض بعد الكوارث هي التي يتكاتف أبناؤها حيث يمدُّ الجارُ يدَ العون لجاره، ويقف القوي إلى جانب الضعيف، فهذا التكافل يُشكِّل خط الدفاع غير المرئي، فيُعزِّز قدرة المؤسسات، ويمنح المجتمع مناعة نفسية تُؤهِّله للنهوض مجددًا.
إنها معادلة بثلاثة أركان: مراكز طوارئ مُجهَّزة، أفراد واعون، وروح تضامن حيّة.
وأيُّ خللٍ في ركن واحد يجعل البقية عاجزةً عن تحقيق الحماية المرجوَّة، فالتحدي الأكبر ليس في إنشاء الأبنية أو شراء الأجهزة، بل في غرس ثقافة الاستعداد داخل العقول والقلوب، ثقافة ترى في الاستعداد واجبًا أخلاقيًّا، وتدرك أن الحياة تجري بمشيئة الله وقدرته.
لذلك يجب أن تكون رسالتنا جلية: التغيرات المناخية خطيرة، والأمطار المتقلبة تفرض علينا اليقظة الدائمة، وعدم إهمال التحذيرات.
إن الاستعداد الواعي القائم على مراكز مُجهَّزة، وتنظيم رسمي، وتعاون فردي قادر على تقليل الخسائر، وتخفيف الآثار، ومع تكاتف المجتمع يصبح العمل أكثر فاعلية، مستنيرين بالعلم، متعاونين بروح التضامن، ومتسندين إلى لطف الله.
ضوء
** «التوكل على الله هو أساس الأمان، يكتمل بالاستعداد المستمر، واليقظة، والأخذ بالأسباب، ويتجسَّد في دور الفرد الفاعل بمواجهة الكوارث بوعي ويقين».