خالد محمد الدوس
الموت أو الضيف الأخير (الزائر) الذي يأتي بلا استئذان يذوقه كل إنسان قال الله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (57) سورة العنكبوت، فالموت كأس لا بد من شربه وإن طال بالعبد المدى وعمّر سنين!!
إنها سنة الحياة، وناموس الكون، أن نصحوا أحياناً على خبر يدمع العين، ويحزن القلب، ويحير العقل، ويؤثر في النفس برحيل الأقارب والأحبة والأصحاب.
في فجر يوم الجمعة 28 - 2 - 1447هـ تلقيت ببالغ الحزن والأسى نبأ وفاة خبير الإدارة أستاذي الفاضل عبدالرحمن بن عبدالله الحيزان، تغمده الله بواسع رحمته.. عن عمر يناهز الـ70 عاماً.
تشرفت بمعرفة -فقيدنا الغالي- قبل عقدين من الزمن إباّن عمله في قطاع المياه مديراً عاماً للمياه بالمنطقة، وعضو الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، والعضو في مجلس منطقة الرياض (سابقاً).
عرف عن أبو عبدالعزيز -رحمه الله- قيمه الاجتماعية الأصيلة وشيمه التربوية النبيلة من خلق رفيع وتواضع جم وسمو التعامل والبشاشة العفوية التي كانت لا تحجب تحت أي ظرف مع الجميع، حتى حين كان مسئولاً رفيعاً في فرع وزارة المياه والكهرباء بمنطقة الرياض كان يتعامل مع الجميع «موظفين ومراجعين» بروح الأدب والقيم الأخلاقية واللطف.. وكان من القياديين المثاليين في إخلاصه وتفانيه وتشجيعه وتحفيزه لزملائه الموظفين خلال فترة عمله الرسمي.. وحتى مع المراجعين كان يشدد على حل مشاكلهم وإنهاء معاملاتهم دون تأخير بما لا يتعارض مع الأنظمة والتعليمات والأوامر التي تصدر من مقام الوزارة، وحسب ما يروي - لكاتب السطور - الأستاذ أحمد العقيلي وهو من القيادات الإدارية السابقة التي عملت مع الفقيد في هذا القطاع الحيوي ما يقارب (ثلاثين عاماً) يقول: كان أبو عبد العزيز -رحمه الله- شخصية قيادية إدارية يتمتع بصفات أخلاقية رفيعة محباً للخير وساعياً له؛ فأحبه كل من عرفه وتعامل معه عن كثب إلى جانب إخلاصه وتفانيه في العمل، وقد أسهم بمنهجه الإداري ووعيه التنظيمي في تطوير جوانب كثيرة في الإدارة إبّان فترة عمله الماضية.
كان يحظى بتقدير وثقة الجميع ومنهم معالي وزير المياه والكهرباء السابق المهندس عبد الله بن عبد الرحمن الحصين، وكنت في الواقع محظوظاً أن استفدت من هذه المدرسة القيادية البارزة في القيم الإدارية والوعي التنظيمي والشفافية وامتلاك الرؤية ومهارة التواصل الفعال وتقدير الموظفين وتشجعيهم من أجل الإتقان بالعمل وتحقيق الجودة بمفهومها الشامل.
لقد كان فقيدنا الغالي أبو عبد العزيز - رحمه الله تعالى - نموذجاً فريداً للقائد الإداري الناجح والخبير الذي وضع بصماته الواضحة في مسيرة تطوير قطاع المياه وهو القطاع الحيوي والشريان الرئيسي لحياة المدن والمراكز الحضرية.
قاد بحكمة ودراية وإخلاص إدارة المياه في منطقة الرياض وهي من أكبر المناطق وأكثرها تحدياً ونمواً من حيث الاحتياج المائي والتوسع العمراني، والنمو السكاني النوعي.. فكان - رحمه الله تعالى - بحق من القيادات الإدارية البارزة في وضع الأسس والاستراتيجيات التي ساهمت في تطوير خدمة هذه الثروة الوطنية المهمة للمواطنين والمقيمين. لم تكن (إدارة) خبير الإدارة الراحل قائمة على الأوراق والنظريات فقط..! بل كانت قائمة على الميدان وعلى فهم عميق للتحديات، وعلى رؤية استشرافية للمستقبل. ولا غرو في ذلك فقد جمع - فقيدنا الغالي - بين العلم الحديث في الإدارة، وبين الحكمة والتجربة والخلق القويم، وكان في الواقع قدوة في التفاني والانضباط والتنظيم والإنجاز لا يعرف المستحيل في فلسفته الإدارية الواعية، ويبحث دائماً عن الحلول المبتكرة لتذليل المعوقات والصعوبات.
تشرفت قبل ما ينيف على عقد من الزمن بالاتصال الهاتفي من أستاذي الراحل عبدالرحمن الحيزان - رحمه الله تعالى - يخبرني بصدور كتابه الأول ( في علم الإدارة) وأهداني نسخة منه. وهو كتاب (غني) يثري الفكر وينير العقل، ويقدم حلولاً واقعية لتحديات إدارية معاصرة.. حيث لم يبخل فيه بتجربته الثمينة وحكمته العملية، مقدماً إياهما دليلاً لكل قائد منظمة وطالب علم لمن يريد أن يتقن فّن قيادة الإنسان والمؤسسة.
وقبل وفاته بأربعة أيام.. هاتفته وبعد أن ألقيت عليه سلامي وتحياتي.. أخبرته بأني واصلت تعليمي العالي بفضل الله تعالى ثم بكلماته الملهمة وتشجيعه المستمر وعباراته المحفزة التي كان لها الأثر الكبير في مواصلة تعليمي العالي بحمد الله وتوفيقه، لأنه - رحمه الله - كان يؤمن بأن الاستثمار في الإنسان هو أعظم استثمار، فكان حريصاً على تشجيع كل من حوله على مواصلة تعليمه وتطوير ذاته. ولكن (فرحتي) بالاتصال والتواصل مع أستاذي الفاضل أبو عبد العزيز - رحمه الله تعالى - لم تستمر طويلاّ بعد أن تلقيت خبر وفاته فجر يوم الجمعة الماضية ، أي بعد أربعة أيام فقط من آخر اتصال معه!!.
والأكيد أن رحيل الخبير في علم الإدارة (عبدالرحمن الحيزان).. صاحب السيرة الزاخرة بالقيم الإنسانية والعلمية والأخلاقية.. يمثل خسارة لوطننا الغالي بعد أن ترك أعمالاً بارزة، ونجاحات وطنية في مجالات المياه والبيئة.. تاركاً في كل مكان مَــّـر به أثراً طيباً وذكرى حسنة.
سائلاً الله العلي القدير أن يغفر له ويسكنه فسيح جناته.. و(إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).
وقفة: يرحل الجسد ويبقى الأثر.. والذكر الجميل عمر طويل.