د. محمد عبدالله الخازم
في نقاش مع زميلي السوري حول الدعم الاقتصادي السعودي للأشقاء في سوريا، وبعد ثنائه على هذا الفعل الكريم الذي يصدر من دولة كريمة داعمة لما فيه الخير للأشقاء، استعدنا التاريخ وكيف أن العلاقات التجارية ليست وليدة اليوم وكانت قائمة بدعم دولنا الحديثة وما قبلها. كانت تقوم على الثقة وعلى تبادل التجارة وفق مبدأ التكامل؛ لديهم بضاعة نحتاجها ولدينا بضاعة يحتاجونها، يحمون قوافلنا ونحمي قوافلهم.
وكان من أمثلة ذلك التبادل ما اصطلح على تسميته «بالعقيلات». وفق المراجع لقب «عقيلات» جاء للبسهم العقال بخلاف بقية أهل نجد في ذلك الزمان، ذلك إضافة إلى أن لفظة «عقيلي» تطلق في نجد على من يتاجر بالإبل» وتمتد تجارتهم إلى ما قبل حوالي 400 عام.
أشار الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله- إليهم في كتابه ذكريات بقوله:
«ولم ينفرد أهل الشام في البراعة في التجارة، بل كنت أرى وأنا صغير جماعة من أهل نجد يمشون إلى العراق وإلى الشام، وقد استقرّ فريق منهم فيها، ...، وكان هؤلاء النجديون يُعرفون عندنا بالعقيل أو (العقيلات)، يتاجرون بالإبل وغير الإبل ويدلّون القوافل على الطريق لمّا كان الحج بالبَرّ، وكانوا معروفين بصدق القول واستقامة السيرة وحسن المعاملة».
ورغم أن تجار العقيلات من مختلف مناطق نجد وشمال المملكة، إلا أن الغالبية كانت من أهل القصيم وحائل وفق المصادر التاريخية، وكان لقبهم أولاد علي. يقول الشاعر بن فرهود فيهم:
سلم على القصمان ربع بهم نوف
أولاد علي مرخصة كل غالي
وكانت تجارتهم محفوفة بالمخاطر السياسية، سمة كل عصر في عالمنا العربي. وفي هذا السياق يستحثهم الشاعر للتجمع في وجه الأعداء، بقوله:
أولاد علـي اليـوم ذا وقت نفعكم
لا رحم أبـو نفـس تتاجر بمالها
أولاد عـلي إن الليالـي قصـيــرة
ولا للفتـى غيـر الثناء من نوالها
ذلك تاريخ، سبق توحيد بلادنا على يد القائد عبد العزيز آل سعود، رحمه الله، ورفع رايتها بعده من قبل القادة أبنائه الكرام، رحم الله من توفي منهم وأطال في عمر خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز. حتى جاء حفيد المؤسس ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ليقود حراكاً عربياً وإقليمياً سياسياً واقتصادياً، من ضمنه دعم استقرار الأشقاء في سوريا.
العقيلات نستحضرها كتاريخ، ونرى نهج وطن حديث أكبر من مجرد قبيلة أو منطقة محددة. نموذج يتغلب على الصعاب بمختلف أنواعها ليكون الداعم البارز للأشقاء السوريين لينهضوا ويعود إليهم ازدهارهم، يعمهم السلام وتزهر أراضيهم بالخيرات.
كانت العقيلات تتاجر بالخيول والإبل والماشية والأغذية، لكن خيول وإبل هذا الزمان هي الصناعة والتقنية والقطارات والمطارات وغيرها. نموذج مختلف تقدمه المملكة يتجاوز الأدوار التقليدية في الدعم إلى المشاركة في البناء والتشييد عن طريق القطاع الخاص المدعوم من المملكة، وينتظر مزيداً من التسهيلات من الحكومة السورية الحريصة على تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث تزدهر العلاقات بزيادة المصالح المشتركة على مختلف المستويات ومنها الاقتصادية والتجارية.
أعود للبدء ولصديقنا السوري أكرر؛ التاريخ يجمعنا وحاضرنا يبني جسر المستقبل عبر العلاقات المتوازنة والمصالح المشتركة التي تتوجها مشاريع مستدامة وليس مجرد تجارة عابرة، حفظ الله بلادنا وبلادكم.