د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تعد الندوة العالمية لمنظمي الاتصالات حدثا دوليا سنويا بارزا، تستضيفه السعودية في العاصمة الرياض من 31 أغسطس حتى 3 سبتمبر 2025 بالشراكة مع الاتحاد الدولي للاتصالات ITU تحت شعار التنظيم من أجل التنمية الرقمية المستدامة، يشهد الحدث حضورا واسعا لقادة القطاع الخاص أكثر من 190 دولة حول العالم، وهو ما يعكس دور السعودية في قيادة الحوار الرقمي الدولي.
يأتي اختيار السعودية ممثلة بهيئة الاتصالات والفضاء والتقنية لاستضافة الحدث انعكاسا لثقة المجتمع الدولي بدورها الفاعل، واسهاماتها في تحقيق أهداف الاتحاد الدولي للاتصالات، ودورها الريادي في القطاع، لمناقشة أبرز التحديات والحلول لمسائل السياسات والتنظيمات الرقمية على المستوى الدولي، ووقع الاختيار على السعودية لمستواها القيادي في النضج التنظيمي الرقمي، وتطبيقها أبرز ممارسات التنظيم الرقمي التشاركي، لحرصها على وضع بصمة على الخريطة العالمية، وإبراز التطور الذي تشهده في شتى المجالات.
يستبق هذا المؤتمر العالمي مؤتمر آخر لتنمية الاتصالات لعام 2025 في باكو في الفترة 17 إلى 28 نوفمبر تحت موضوع توصيلية عالمية وهادفة وميسورة التكلفة من أجل مستقبل رقمي شامل ومستدام الذي يأتي بعد منتدى استدامة الفضاء في الفترة من 7-8 أكتوبر 2025 في جنيف بسويسرا بعد نجاح مؤتمر سبتمبر 2024 في مجال استدامة الفضاء واستكشاف حلول مبتكرة لمستقبل الأنظمة الفضائية والاستكشاف، وستركز المناقشات الرئيسية على إدارة الكويكبات الساتلية، والمضي قدما بالاستكشاف من المدار الأرضي المنخفض إلى القمر، وتحقيق وعي فعال بأوضاع الفضاء والطيف S3A كعنصر حاسم لنجاح الرحلات الفضائية وأمنها واستدامتها، وكذلك بالاستخدام المستدام والمسؤول للفضاء.
تعمل الندوة العالمية لمنظمة الاتصالات GSR25 منذ إطلاقها قبل 25 عاما على تعزيز الحوار في قطاع الاتصالات والتقنية بين المنظمين المحليين والدوليين ومطوري السياسات والمسؤولين وأصحاب المصلحة، من خلال الحوارات رفيعة المستوى واللجان المتخصصة، والبرامج التدريبية سعيا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، مع أهمية ربط غير المتصلين حول العالم، وأن المستقبل الرقمي يتطلب تعاونا قويا من جميع الأطراف المعنية، وفي تصريحات للدكتور كوزماس زافازافا مدير مكتب تنمية الاتصالات، تم التشديد على أهمية الجلسات التفاعلية التي ستناقش التحديات الحالية في التحول الرقمي.
يعد الحدث نقلة نوعية في صياغة تنظيمات رقمية تلبي احتياجات العصر الحديث، من أهم محاور استراتيجية الندوة، تعزيز التنظيم الرقمي التعاوني ودعم الشمولية الرقمية عبر حلول مبتكرة، كما ستتطرق الندوة إلى أهمية حماية المستخدمين وبناء الثقة في البيئة الرقمية، وهو ما سيساعد في تطوير القدرات البشرية في مجالات التقنية الحديثة، حيث تأتي هذه الندوة في وقت حرج يتطلب من الجميع التعاون لتعزيز الابتكار وبناء تنظيم المستقبل الرقمي المستدام للجميع.
تنظم هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية على هامش أعمال الندوة معرضا مصاحبا، يجسد أبرز ملامح التفاعل على المستوى الدولي، ويشكل منصة نوعية لعرض الابتكارات التنظيمية، وعرض التقنيات الحديثة والناشئة، من خلال عدد من الفعاليات وأجنحة المشاريع الكبرى والشركات المحلية والعالمية.
تعد واحة الإعلام التي تحتضن المؤتمر مبادرة من وزارة الإعلام السعودية، تهدف إلى دعم وتعزيز الحضور الإعلامي للسعودية في المحافل الدولية الهامة، وتوفير بيئة عمل متطورة تواكب رؤية المملكة 2030، مع عرض مشروعاتها الكبرى مثل نيوم ووكالة الفضاء السعودية مع احتضان أكثر من 2500 إعلامي من داخل السعودية وخارجها لنقل وتحليل هذا الحدث العالمي المستقبلي.
كانت رؤية المملكة 2030 التي أطلقت عام 2016 أن تصل السعودية أعلى المراتب بين الدول في مختلف المجالات وهي التي تترجم أهداف هذا الحلم والذي لم يقتصر على الحاضر فحسب بل امتد للمستقبل أيضا، فكانت هذه الرؤية بمثابة خارطة الطريق لها في البدء بثورة رقمية كبيرة في مختلف انحاء السعودية، لطالما آمنت بان التحول الرقمي اصبح واقع مفروض لا محالة حتى تصل إلى التطور والتميز سواء على المستوى الإقليمي او المستوى الدولي، حتى أصبح التحول الرقمي في السعودية رؤية متكاملة تقوم على تطبيق العديد من الاستراتيجيات والتقنيات الحديثة لمواكبة التطور التكنولوجي العالمي، ما جعلها تقدم العديد من المشاريع الإلكترونية التي توفر جميع الخدمات للمواطنين، حيث يستطيعون الوصول إليها بسهولة.
يجعل التحول الرقمي المؤسسات والشركات مؤهلة للحصول على الميزة التنافسية في السوق، وذلك لدوره في تطوير مستوى الخدمات وتحسين أداء العمليات الداخلية، وتعزيز التعاون والتواصل بين الموظفين، وكلها عوامل ترفع من مستوى كفاءة وإنتاجية مؤسسات القطاع الخاص والعام، كان من أبرزها أرامكو التي اعتمدت على استخدام مجموعة من الحلول والتقنيات الرقمية مع التركيز على استخلاص أعلى قيمة ممكنة منها، كما انها استهدفت التقليل من انبعاثات الكربون، ورفع مستوى الإنتاجية، وشملت التقنيات التي طبقتها في التحول الرقمي، الذكاء الاصطناعي، التامة الرقمية، الروبوتات، سلسلة الكتل، إنترنت الأشياء، الحوسبة السحابية.
وجاءت شركة الاتصالات السعودية STC التي نفذت التحول الوطني بنجاح في السعودية حيث اعتمدت على التقنيات الرقمية في تطوير وتحسين مستوى الخدمات الخاصة بالاتصالات السلكية واللاسلكية إلى جانب تقديم الحلول الرقمية المبتكرة، وذلك بالاعتماد على تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء وهي تندرج ضمن الشركات الرائدة في الاتصالات وتقنية المعلومات وتحقيق الريادة أيضا في خدمات المدفوعات الرقمية والبنية التحتية الرقمية، وساهمت في تكامل الأنظمة والأمن السيبراني، وإنترنت الأشياء وخدمات الاتصال وخدمات الحوسبة السحابية وغيرها من خدمات إلى جانب شركات ومؤسسات ساهمت في هذا التحول الرقمي، التي استطاعت أن تعمل على رقمنة ما يقرب من 6000 خدمة حكومية، لتسهيل وتحسين مستوى الخدمات للمواطنين، وتوفير الوقت والجهد.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة ام القرى سابقا